ديوان المعاني/ذكر الطيور

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذكر الطيور

ذكر الطيور - ديوان المعاني

ذكر الطيور

مما جاء في منثور الكلام، في وصف الحمام، قول بعضهم:بهرماني العينين عاجي المنقار، أصهب القرطمتين سبجي الجناحين، كأنما خطا بقلمين، دري الدفتين، فضي الحقيبة والبطن والكشحين، أرجواني الساقين والقدمين، معتدل الهامة، جاحظ الحدقتين، رحب الأذنين والمنخرين، واسع الحوصلة والشدقين، محدد المنكبين والركبتين، سبط الذنب والكفين، طويل العنق والقوادم والفخذين، قصير الخوافي والساقين، عريض الصدر والدفتين والوظيفتين، غليظ القصب أجش الهدرة، منتصب الهامة، ذكي الحركة بعيد الذرقة. ووصف ابن المعتز حماماً طلبه من إنسان:أريد حرمي الطرق، عاجي المنقار، أغن الهدير، ذا ذنبٍ قصير، يسحب حوصلته إذا هدر، وتروح صفقته إذا صفق، قرطاسي الدفتين، سبجي الجناحين، كأن رجليه خاضتا دماً، أو شربتا عندما، وكأن عينيه جمرة، ورأسه زبدة. وقلت في حمام أبلق:

ومُتفقاتِ الشكل مُختلفاته

لبسنَ ظلاماً بالصباح مرقّعا

أخّذْنَ من الكافور أنفاً ومِنسراً

وخَضّبن بالحناءِ كفاً وإصبعا

وتدنو بأبصار إذا ما أدرتَها

جَلونَ عقيقاً للعيونِ مرصعا

تطيرُ بأمثالِ الجُلام كأنّها

جنادلُ تدحوها ثلاثاً وأربعا

تبوع بها في الجوّ من غير فترةٍ

كأن مجاذيفاً تبوعُ بها معا

إذا هيَ عبّت في الغديرِ حسبتها

تزقُّ فراخاً في المغادر جُوَّعا

وقال بعضهم في عين العقعق:

يُقَلِّبُ عينين في رأسهِ

كأنهما نقطتا زئبق

ومن المختار في الديك ما أنشده الجاحظ:

كأن الديكَ ديكُ بني نميرٍ

أمير المؤمنين على السريرِ

والناس يستحسنون قول ابن المعتز في الديك:

صفّق إما ارتياحةً لسنى ال

صبح وإما على الدُّجى أسفا

وقال ديك الجن:

أوفى بصبغ أبي قابوس مفرقهُ

كدُرَّةِ التاج لما عُلَّيت شرفا

وقوله صبغ أبي قابوس يعني شقائق النعمان، وهذا كلامٌ بعيد المتناول ظاهر التكلف. وقلت فيه:

مُتوَّجٌ بعقيقٍ مُقرّطٌ بلجينِ فق

د زينَ النحر منه ثنتان كالورتين

دعا دُعاءَ طروبٍ مُصفّقِ الكفين عل

يه قُرطَقُ وشيٍ مُشّمرُ الكفين

حتى إذا الصبحُ يبدو مُطرّضز الطرَّتين يز

هى بتاجٍ وطوقٍ كأنه ذو رُعين

وقال السري الرفاء:

مُتوَّجٌ الصباحُ قناعَهُ فتألفا

وسطا على الليل البهيم فأطرقا

وعلا فبشرَ بالصباحِ مُدرّعٌ

بالوشي تُوِّج بالعقيق وطُوِفا

مُرخى فضولِ التاجِ في لَبَّاته

ومُشّمرُ ثوباً عليهِ مغمقا

وقال ابن المعتز:

وقامَ فَوقَ الجدارِ مُشترفٌ

كمثلِ طِرفٍ أعلاهُ أسوارُ

رافعُ رأسٍ طوراً وخافضهُ

كأنما العُرْف منه مِنشار

ومن أجود ما قيل في وصف النعام قول عدي بن زيد:

ومكانٍ زعل ظلمانهُ

كرجالِ الحُبش تمشي بالعمد

فقال شبه أعناقها إذا مدت بالعمد. ومن أحسن تشبيه أخذه العماني:

كأنها حين مدت عنقها حرقا

سُودُ الرجالِ تعادي بالمزاريق

وكان ينبغي أن يقول: مدت أعناقها الذي قال رديء، وقد جاء مثله. وقال ابن أبي عيينة:

يا جنةً فاتت الجنانَ فما

تبلغها قيمةٌ ولا ثمن

ألفتُها فاتخذُتها وطناً

إنَّ فؤادي لحبها وطن

أنظر وفكّر فيما تطيفُ به

إنَّ الأريبِ المفكر الفطنُ

من سفَنٍ كالنعام مقبلةٍ

ومن نعامٍ كأنها سُفنُ

ومثله قوله:

زرواديَ القصرِ نعم القصرُ والوادي

وحبذا أهلهُ من حاضر بادي

ترقى قراقيرهُ والعيسُ واقفةٌ

والضبُّ والنونُ والملاحُ والحادي

وقول الآخر:

كأنّ بالسَّهب على خربائه

عرشاً يخرّ الريحُ في قصبائه

يضحك جنُّ الأرضِ من نحائه

كأنّ قوسَ الغيمِ من ورائه

يعني الغبار المنعرج خلفه. وقلت في فاختة:

مررتُ بمطرابِ الغداةِ كأنّها

تُعلُّ مع الاشراقِ راحاً مُفلفَلا

ويروي: تعل رحيقاً في الغصون مفلفلا:

منمرة كدراء تحسبُ أنها

تجللُ من جلدِ السحابةِ مفصلا

بَدَتْ تجتلي للعينِ طوقاً ممسكاً

وطرفاً كما ترنو الخريدةُ أكحلا

لها ذنبٌ وافي الجوانبِ مثل ما

تُقشِّرُ طلعاً أو تجرِّدُ مِنصلا

إذا حلقّت في الجوّ خلتَ جناحَها

يردُ صغيراً أو يحرك جُلجلا

وقال أبو نواس في حباريات:

يَخطرنَ من برانس قُشوب

من حبرٍ عُولينَ بالتذهيبِ

فهن أمثالُ النصارى الشيب

وقلت في قبجة:

أهديتُها كالهديّ آنسةٍ

وهي سليلُ النواشِزِ النفرِ

تلبسُ سمُّورةً مُشمّرةً

تصونُ أطرافها من العفرِ

وقد جرى المسكُ من محاجرها

فضمَّ لبَّاتها مع الثغر

تخطرُ في حلةٍ مُصَدرةٍ

كأنّ أكمامها من الحِبر

واحمرّ منقارُها ومنخرها

تفتُّح الوردِ في ندَى السحر

كأنّها حينَ نقط قرطمها

تضربُ ياقوتةً على دُرَرِ

وقال أبو نواس في طير الماء:

كأنما يصفرنَ من ملاعق

صرصرة الأقلام في المهارق

ونقله إلى موضع آخر فقال أيضاً:

يصفرُ أحياناً إذا لم يهزجْ

من مثلِ حرفِ المجدحِ المغنج

المجدح: ما يجدح به السويق، والمغنج: المعطف. وأحسن ما شبه به ذلك قول بعض الأعراب يصف طيراً أنشده الأصمعي:

يضربنَ أحناكاً إلى الماءِ كلّها

لبيقٌ كمفروج المناقيشِ أسجحِ

لبيقٌ: أي رفيق بذلك حاذق به، يقول هذه الأحناك لبيقة بالشرب، والمفروج: المفتوح ما بينه. وقلت في الخطاف:

وزائرةٍ في كلِّ عامٍ تزورنا

فيُخبرُ عن طيبِ الزمانِ مزارها

تخبرُ أنَّ الجوَّ رَقَّ قميصهُ

وأنَّ الرّياضَ قد توشّى إزارها

وأنَّ وجُوهَ الغُدرِ راقَ بياضها

وأنَّ وجوهَ الأرضِ راع اخضرارها

تحنُّ إلينا وهي من غيرِ شكلنا

فتدنو على بُعدٍ من الشكل دارُها

فيعجبنا وسطَ العراصِ وقوعُها

ويُؤنسنا بينَ الديارِ مطارُها

أغارَ على ضوءِ الصباحِ قميصُها

وفازَ بألوانِ الليالي خِمارُها

تصيحُ كما صرّت نعالُ عرائس

تمشت إليها هندها ونوارها

تجاورُنا حتى تشبَّ صغارُها

وتقضي لباناتِ النفوسِ كبارها

ولم أسمع في ذلك أحسن من قول بعض المحدثين:

وغريبة حنّتْ إلى أوطانها

جاءت تبشرُ بالزمانِ المقبلِ

فرَشتْ جناحَ الآبنوسِ وسطرت

بالعاج فيهِ وقهقهتْ بالصندلِ

وقلت في أصواتها:

أيا عجباً من آنس لك نافرٍ

يُعاودُ وُصلاً وهو في حالِ هاجرِ

يزور على بُعدِ المكان لم يُرِد

وصالاً فقل في زائر غيرِ زائر

له في الذُّرى شذرٌ يَمُرُّ وينثني

كما حَرَّك الكعبين كفُّ مُقامِر

وهذا معنى لم أسبق إليه. وقال أبو نواس في أصوات الخطاف:

فكأنّ أصواتها في الجوّ طائرة

صوتُ الجُلامِ إذا ما قصّت الشعرا

وقال ابن المعتز في البازي:

فارسُ كفّ مائلِ كالأسوارِ

ذو جُؤجُؤٍ مثلِ الرُّخامِ المرمارِ

أو مصحفٍ منمنمٍ بأسطارٍ

ومثلةٍ صفراءَ مثلِ الدّينارِ

يرفع جفناً مثلَ حرفِ الزُّنار

وهذا تشبيه في غاية الاصابة. ومن أحسن ما قيل في منسر البازي قول أبي نواس:

ومنسرٍ أكلفَ فيه شنج

كأنه عقدُ ثمانينا

وقال ابن المعتز في عين البازي وأجاد فيه:

ومقلةٍ تصدقهُ إذا رَمَقْ

كأنها نرجسةٌ بلا وَرَقْ

وقال أبو نواس:

في هامةٍ علياءَ تهدي مِنسراً

كعطفةِ الجيم بِكفِّ أعسرا

وقال ابن المعتز في بزاة:

وفتيان غدوا ووالليلُ داجٍ

وضوءُ الصبح متهمُ الطلوعِ

كأن بُزاتهم أمراءُ جيشٍ

على أكتافها صدأٌ الدُّروعِ

وقال في عين البازي:

كأنها في الرأس مسمار ذهب

وقال أيضاً:

ومنسر عضب الشباه دام

كعقدك الخمسينَ بالإبهامِ

وخافق للصيدِ ذي اصطلام

ينشرهُ للنهضِ والإقدامِ

كنشرك البردَ على المستامِ

وقال أيضاً:

ذي جؤْجؤ محبر موشيّ

ومقلةٍ تلحقُ بالقصيّ

كأنها دينارُ صيرفيّ

واتصلت براته القُوهِيّ

صافٍ كغصنِ الذهبِ المحليِّ

وقال أيضاً:

أقمر من ضرب بزاةٍ قُمرِ

يصقلُ حملاقاً شديدَ الطحرِ

كأنه مكتحلٌ متبرٌ

في هامةٍ لمّتْ كلِمَ الفقرِ

تريح إن راح لامرٍ بهر

من منخرٍ رحبٍ كعقدِ العشرِ

وقلت في الصقر:

وصَلَتَان فلتان أنمَر

كأنه إذا هوى للأعفرِ

مُعنبرٌ يهوي إلى مزعفرِ

بأبيضٍ من البزاةِ أقمر

منمنم الصدرِ كصدرِ الدفتر

بمثل أهداب جفون الأحور

وقلت:

بصلتانٍ سلطٍ جسورِ

تخالهُ في مفصلٍ مزرور

ضمَّ جناحيهِ على سمُّور

معوّج المنسرِ والأظفور

وقلت في عصفورة يقال لها السقا:

ومفتنَّة الألوانِ بيضٌ وجوهها

ونمرٌ تراقيها وصفرٌ جنوبُها

كأنّ دراريعاً عليها قصيرةً

مرقعةً أعطافُها وجيوبُها

تعدلُ ألوانَ الأغاني كأنما

تعدلُ أوزانَ الأغاني عريبُها

تسامُ استقاءً في العشاءِ إذا عرى

وعطلَ أيام المصيفِ ذنوبُها

وكان الأصمعي يتعجب من حسن بيت الطرماح في صفة الظليم مجتاب. وقلت في بلابل:

مررتُ بدكنِ القمصِ سودِ العمائمِ

تغني على أعرافِ غيدٍ نواعمِ

زُهينَ بأصداغ تروقُ كأنها

نجومٌ على أعضادِ أسود فاحم

ترى ذهباً ألقتهُ تحتَ مآخر

لها ولجيناً بطنه بالمقادم

فيا حسنَ خلقٍ من نضارٍ وفضةٍ

وخزٍِّ وديباج أحمّ وقاتم

وأخبرنا أبو أحمد، عن الصولي، عن أبي ذكوان، وأبي خليفة عن التوزي، قال: قال عمرو بن الحارث الجمحي: ما رأى الأصمعي مثل نفسه، قال الرشيد يوماً: أنشدونا أحسن ما قيل في وصف العقاب، فعذر القوم ولم يأتوا بشيء. فقال الأصمعي أحسن ما قيل فيها:

باتتْ يورَّقها في وكرِها سَغبٌ

وناهضٌ يخلسُ الأقواتَ من فيها

وقال امرؤ القيس:

كأن قلوبَ الطير رَطباً ويابساً

لدى وكرها العنّابُ والحشفُ البالي

فقال الرشيد ما بعل القوم بشيء إلا وجدت عندك فيه شيئاً. وقال آخر في الغراب:

وجرى ببينهم غداةَ تحملوا

من ذي الأبارقِ شاجحٌ يتفيدُ

شنج النسا خِرقُ الجناح تخالهُ

في الدارِإثر الظاعنينَ مُقَيدُ

وقال آخر في عقعق:

إذا بارك اللَّهُ في طائرٍ

فلا بارك اللَّهُ في عقعقِ

طويل الذنابي قصير الجنا

ح متى ما يجد غفلةً يسرق

يُقلِّب عينين في رأسه

كأنهما قطرتا زئبق

وقال آخر في الزنابير:

لها حماةٌ كأنها شعر

تظهرُ مسوَدَّةً وتستترُ

قد أذهبتْ في الجبينِ غرَّتهُ

إذ فضِّضتْ في جيادِنا الغرَر

وقلت في ظبية داجنة وقمارى:

فيها مؤانسةٌ لنا وحشيةٌ

تومي بناظرها إلى ظمياء

تختالُ في مَتصْندلٍ متكفر

تبراً أضرُّ بفضةٍ بيضاء

ودقيقةِ الأطرافِ هي جسيمةٌ

ريِّا تمرمرُ في متون ظِماء

ومغنياتٍ من وراءِ ستائرٍ

مشقوقة الأوساطِ والأحناءِ

غنَّتْ فلم تحوج إلى مشهورةٍ

وشَدَتْ فلم تفقر إلى الميلاء

تبدو على أعناقهنَّ أهلةٌ

سودٌ تبدلُ ظلمةً بضياءِ

الفصل السادس من الباب العاشر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي