ديوان المعاني/ذكر الفلوات والظلال

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذكر الفلوات والظلال

ذكر الفلوات والظلال - ديوان المعاني

ذكر الفلوات والظلال

والسير والنعاس وما يجري مع ذلك

فمن أبلغ ما قيل في صفة بعد الفلاة قول مسعود أخي ذي الرمة:

ومَهمهٍ فيه السرابُ يلمحُ

يدأبُ فيه القومُ حتى يطلحوا

ثم يظلونَ كأن لم يَبرَحُوا

كأنما أمسوا بحيثُ أصبحوا

وقال رؤبة بن العجاج:

يَكلُّ وفد الريح من حيث انخرق

ذكر أن الريح تكل فيه لبعده، ووفد الريح مأخوذ من حيث انخرق

ويسبقُ وفد الريح من حيثُ ينتحي

وقال مسلم بن الوليد:

تجري الرياحُ بها مرضى مولهةً

حَسَرى تَلوذُ بأطراف الجلاميدِ

قوله: بأطراف الجلاميد، زيادة ليست في بيت رؤبة. ويشبهون استواء الفلاة باستواء ظهر الترس، قال الشاعر:

ومهمهٍ كمثلِ ظهرِ الترسِ

وأحسن ذو الرمة حيث يقول في هذا المعنى:

ودَوٍّ ككفِّ المشتري غَيرَ أنهُ

بساطٌ لأخماسِ المراسيلِ واسعُ

شبهه بكف المشتري، لأن كفه ألصق، وفي رواية أخرى لأن المشتري يبسط كفه للصفق. وقلت في نحوه:

وبحر ككفِّ الأكرمينَ يَحفهُ

صَعيدٌ كأيدي السائلينَ مديدُ

وقال بعض المحدثين:

ودَوِّيةٍ مثل السماءِ قطعُتها

مطوقةٌ آفاقُها بسمائِها

ومن عجيب التشبيه في وصف الآل قول بعض الأعراب:

كفى حَزَنَاً أني تطاللتُ كيْ أرَى

ذَرى علمي دَمخ فما يُرَيان

كأنهما والآلُ ينجابُ عنهما

من البعدِ عينا بُرقعٍ خلقانِ

وهذا أغرب ما روي من تشبيهات القدماء. وقال جميل بن معمر في السراب:

ألاتيكما أعلامُ بثنةَ قد بَدَتْ

كأن ذراها عممته سبيب

طوامِس لي من دُونِهنَّ عدَاوَةٌ

ولي من وراءِ الطامساتِ حبيبُ

بعيدٌ على كسلانَ أو ذي مَلالةٍ

وأما على ذي حَاجَةٍ فقريب

والسبيب الشقة البيضاء. وقال ابن المعتز:

والآلُ ينزو بالصوى أمواجه

نزوَ القطا الكدريّ في الأشراك

والظلُّ مقرونٌ بكلِّ مطيّةٍ

مشى المهارِ الدُّهم بين رِماكِ

ولا أعرف في هذا المعنى تشبيهاً أحسن ولا أصوب من هذا. ومن عجيب التشبيه في وصف اعتدال الظل عند الظهيرة قول الراجز:

وانتعل الظل فصار جوربا

وقال آخر:

إذا شئت أدَّانيَ صَرومٌ مُشيعٌ

معي وعقامٌ تتقي الفحل مُقلت

يطوف بها من جانبيها ويتقي

بها الشمس حيٌّ في الأكارع ميتُ

أداني: أعانني، صرومٌ: أي صارمٌ، مشيعٌ: شجاع كأن معه أصحاباً يشيعونه فهو جريءٌ يعني قلبه. والعقام: التي لا تلد فذاك أشد لها يعني ناقة، والمقلت: التي لا يبقى لها ولدٌ، وحي في الأكارع ميتٌ: يعني ظلا قد ضارع عند انتصاف النهار. ومن بديع ما قيل في السراب قول ابن المعتز:

وما راعني بالبَيْنِ إلا ظعائنٌ

دَعوْنَ بكائي فاستجابت سواكبه

بدَتْ في بياض الآلِ والبعدُ دونهُ

كأسطر رِقٍّ أمرضَ الخط كاتِبه

ولهم في وصف الأسفار في البحار شعرٌ قليلٌ، فمن أجود ما وصف به الموج قول الهذلي:

نعاجٌ يرتمين إلى نعاج

ولا أعرف في السير والنعاس أجود لفظاً واستعارة مما أنشدناه أبو تمام:

يقولُ وقد مالت بنا نشوةُ الكرَى

نعاساً ومن يعلق سُرى الليل يكسل

أنخ نُعطِ أنضاء النُعاسِ دواءَها

قليلاً ورفّهَ عن قلائصَ ذبّلِ

فقلتُ له كيف الإناخةُ بعد ما

حدا الليل عريان الظريفة مُنجلي

ومما يجري مع ذلك قول الآخر:

عودٌ على عودٍ عَودٍ خلق

كأنه الليل يرمي بالغسق

مَشاجبٌ وفِلقٌ سقب وطلق

عود: يريد شيخاً كبيراً. على عود أي على بعير مسن، على عود خلق أي طريق قديم دارس فكأنه يريد كأن ذلك كما قال رؤبة:

فيها خطوطٌ من سواد وبلق

كأنّه في الجلدِ توليعُ البهقِ

أي كأن ذلك شبه البعير بالمشاجب، والطريق بالسقب وهو عمودٌ، من عمد الخباء، وشبه الشيخ بالطلق وهو القيد لانحنائه. وقريبٌ منه قول الآخر:

عودٌ على عَودٍ قوود للإبل

يموتُ بالترك ويحيا بالعملِ

عودٌ: بعير، على عود يعني طريقاً، يموت بالترك: يعني الطريق يدرس إذا لم يسلك، ويحيا بالعمل: إذا سلك استبان. ومن المختار في صفة النعاس قول الآخر:

فأصبحنَ بالموماةِ يحملنَ فتيةً

نشاوى من الادلاج ميلُ العمائمِ

كأن الكرى سقاهمُ صر خدّيةً

عُقاراً تمشي في المطا والقوائم

وأخبرنا أبو أحمد، عن أبي بكر عن عبد الرحمن، عن الأصمعي أن أبا عمرو ابن العلاء كان يستحسن قول بشامة بن غدير ويعجب منه غاية العجب:

كأن يديها وقد أرقلت

وقد حرنَ ثم اهتدينَ السبيلا

يدا سابح خَرَّ في غمرةٍ

فأدركه الموتُ إلا قليلا

ومما يجري مع ذلك قول الأعرابي:

بدأن بنا وابن الليالي كأنّهُ

حُسامٌ جلا عنه القيون صقيلُ

فما زلتُ أفني كلَّ يوم شبابَهُ

إلى أن أتتك العيسُ وهو ضئيلُ

الفصل الرابع

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي