ديوان المعاني/ذكر النسيم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذكر النسيم

ذكر النسيم - ديوان المعاني

ذكر النسيم

من غريب ما قيل فيه قول ابن المعتز:

ونسيم يُبَشِّرُ الأرض بالقط

رِ كذيل الغلالةِ المبلول

وَوُجوهُ البلادِ تنتظرُ الغي

ثَ انتظار المحبِّ رَدَّ الرسولِ

وقال ابن الرومي:

حيَّتك عنا شَمالٌ طافَ طائفها

بجنَّة فجرت رَوْحاً وريحانا

هبّت سُحيراً فناجى الغُصنُ صاحَبه

سِرّاً بها وتنادَى الطيرُ إعْلاَنا

وُرْقٌ تُغني على خُضْرٍ مُهدلّةٍ

تَسمو بها وتشُمّ الأرض أحيانا

تخالُ طائرها نشوانَ من طربٍ

والغصن من هزِه عطفيه نشوانا

وقال ابن المعتز:

يَشُقُّ رياضاً قد تيقّظ نَورُها

وبلّلها دمعٌ من المُزنِ ذَارِفُ

كأنَّ عُبابُ المسكِ بين بقاعِها

يفتحُها أيدي الرياح الضعائفُ

وقلت:

والصبا يجلبُ الغمامَ إلينا

فترى القطرَ للرياضِ نَديما

وترى للغصون فيها نجِياً

وعلى زَهْرة الرياضِ نميما

وقال ابن الرومي:

كَأنَّ نَسيمَها أرجُ الخُزامى

ولاها بعد وسِمٍّ وليُّ

هديَّةُ شمألٍ هبَّت بليل

لأفنانِ الغُصونِ بها نجِيُّ

إذا أنفاسُها نسمتْ سُحيراً

تنفس كالشجيِّ لها الخَليّ

وقال ابن المعتز:

وما ريحُ قاع عازبٍ طلّه النّدى

وروضٌ من الريحانَ دَرَّت سحائبُه

فجاءت سُحَيراً بينَ يومٍ وليلةٍ

كما جرَّ في ذيلِ الغِلالة ساحبُه

وقد أحسن التشبيه أيضاً في قوله:

ومهمهٍ كرداءِ الوشي مُشتبهٍ

نَفذْتُه والدُّجى والصبحُ خيطانِ

والريحُ تجذبُ أطرافَ الرداءِ كما

أفضى الشفيقُ إلى تنبيهِ وَسْنانِ

وقلت:

وأقبل نَشرُ الروضِ في نفس الصّبا

فباتَ به ثوبُ الهواءُ مُكفرا

ومما لا يجيىء في معناه مثله قول بشار:أخبرنا به أبو أحمد، عن الصولي، قال: حدثنا المكتفي بالله يوماً، أنه كان نائماً، فسمع دق باب، فانتبه له مرتاعاً ثم سكن قليلاً، ثم عاد فنظر، فإذا الريح تحرك الباب حركةً كأنها دق بيد، قال: فقلت له: قد ذكر الشاعر ذلك وما هو فأنشدته لبشار:

طرقتني صَباً فحرّكت البا

بَ هُدُوّاً فارتعْتُ منهُ ارتيابا

فكأني سمعتُ حسَّ حبيبٍ

نقرَ البابَ نقرةً ثم هايا

قال ما كنت أظن أنه قيل في هذا الشيء وما أقل ما يجري مما لم يذكره الناس. وقال ابن الرومي وأحسن:

لولا فواكهُ أيلولٍ إذا اجتمعتْ

من كلِّ نوعٍ ورقَّ الجوُّ والماءُ

إذاً لما حفَلت نفسي متى اشتملتْ

عليهِ هائلةَ الحالين غبراء

يا حبذا ليلُ أيلولٍ إذا بردتْ

فيهِ مضاجُعنا والريحُ سجواءُ

وجمّش القرُّ فيه الجلدَ وأتلفتْ

من الضجيعين أحشاءٌ وأحشاءُ

وأسفرَ القمرُ الساري فصَفْحتهُ

ريّالها من صفاء الجو لألأء

يا حبذا نفحةٌ من ريحهِ سحراً

يأتيك فيها من الريحانِ أنباءُ

قل فيه ما شئتَ من شهرٍ تَعهَّدُهُ

في كلِّ يومِ يدٌ للهِ بيضاءُ

وقلت:

ولهُ مَجْنحُ الأصيلِ نسيمٌ

لينُ العطفِ هين الخطرانِ

أرجٌ يقتدي به نفسُ المس

ك وتحكيه نكهةُ الزعفرانِ

كم غدا مُدْنفاً وراحَ حسيراً

يتهادى في دجلة المسرُقان

فرأينا لهُ لبوسَ شجاعٍ

ووجدنا بها ارتعاشَ جبانِ

وإلى هذا انتهى بنا القول في هذا الباب، ولو أردنا استقصاءه أضجرنا وأمللنا، ولم نأت على ما في نفوسنا منه، والاقتصار على المشاهير والأعيان منه أولى وبالله التوفيق. انقضى الباب السابع، من كتاب ديوان المعاني والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ^

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي قمع الضلالة، ودمغ الجهالة، وقذف بالحق على الباطل فأزهقه، وأزاله منه حتى أوبقه، بما أقام من الدلائل الواضحة، وبين من الشواهد اللائحة، وجعل لخلقه حدوداً حذرهم تعديها، وخوفهم تخطيها، بالقول الصادق، والبيان الصادع، إعذاراً وتحذيراً، وحجة وتنبيها، فمن لم يقنعه ما سيق من صدق قوله، وحتم أمره ونهيه، حكم فيه السيف، وسلط عليه السوط، ليرداه إلى سبيل الحق، بعد أن يجعلاه نكالاً للخلق، والله عليم حكيم. وصلى الله على نبيه محمد وآله أجمعين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

هذا كتاب المبالغة

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي