ديوان المعاني/ذكر بقية الحيوان

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذكر بقية الحيوان

ذكر بقية الحيوان - ديوان المعاني

ذكر بقية الحيوان

من النسور والقنفذ والفأرة والحية والعقرب والحرباء والضب والبق والبراغيث وما يجري مع ذلك

كتب الصاحب أبو القاسم في وصف قنفذ:قد أتحفتك يا سيدي بعلق نفيس، يتعجب المتأمل من أحواله، ويحار الناظر في أوصافه، ويتبلد المعتبر في آياته، فما تعرف بديهة النظر، أمن الحيوان هو، أم من الجماد، أم هو من الشجر، أم من النبات، ومن الناطق هو، أم من الصامت، أم من الحار، أم من البارد، أم من الرطب، أم من اليابس، حتى إذا أعطى متدبره النظر أوفى حقوقه، والفحص أكمل شروطه، علم أنه حي سلاحه في حضنه، ورامٍ سهامه في ضمنه، ومقاتلٌ رماحه على ظهره، ومخاتلٌ سره خلاف جهره، ومحارب حصنه من نفسه، يلقاك بأخشن من حد السيف، ويستتر بألين من مسه، حتى إذا جمع أطرافه فتحسبه رابية قتاد، أو كرة حرشف، ومتى أمن بسط أكنافه، وهي أمض من الأجل، وأرمى من ثعل، إن رأته الأراقم رأت حينها، أو عاينته الأساود عاينت حتفها، صعلوك ليل بحجم عن دامسه، وحارس ظلام لا يجبن في حنادسه شعر:

كمغشم الفتيانِ غير مهبَّل

سهّد إذا ما نام ليلُ الهوجلِ

لجرمه من الضب شبه، ومن الفأر شكل، ومن الورل نسبة، ومن الدلدل سبب، ولم أعمه عليك هو أنقد، ولذلك قيل: من لم يذق غماضا، ولم يرقد حثاثا بات بليلة الأنقد، وذكره الشيهم: وهو الشيظم، وأنثاه: عيمة معرفة لا يدخل الألف واللام عليها كتحوط ودجلة وكحل، ولا أعنيك هو القنفذ، ومن أحواله أن العرب تسلخ جلده، فتخرجه كالشحمة البيضاء، وتجعله من أنفس مآكلها، وأفخر مطاعمها، حتى تراه أرفع من الأفاعي، وأنفع من الجرذان، وتدعي جهلة الأعراب أنه من مراكب الشيطان، وهو ألطف من الفرس حساً، وأصدق سمعاً، وقد جاء في المثل: 'أسمع من قنفذ'. ومن أوابده أنه يسود إذا هرم، ويصير كأبر ما يكون من الكلاب وأعظم، ويشبه به ركب المرأة عقب النتف والنورة، ولذلك قال ابن طارق في أرجوزة له:

يصيرُ بعدَ حَلقهِ ونورِتهْ

كقنفذِ القفِّ اختبى في فَروته

ويشبه الساعي والنمام له لخبثه ومكره واضطرابه في ليله قال أيمن بن خريم:

كقنفذِ الرملِ لا تخفى مدارِجهُ

خِبٌّ إذا نامَ ليلُ الناسِ لم ينم

وقال عبدة بن الطبيب:

قومٌ إذا دَمسَ الظلامُ عليهم

حدجوا قنافذَ بالنميمة تمرعُ

وقال جرير:

يَدبّون حَوْلَ ركياتهم

دبِيبَ القنافذِ في العرفج

فخذه يا سيدي ممتعاً، واقبله شاكراً بري فيه، فاحتط عليه احتياط الشحيح على ماله، والجبان على روحه، وارغب إلى الله تعالى في حفظه، واسأله إطالة عمره، وهو حسبي ونعم الوكيل. ولم أسمع في صفة الهرة أظرف من قول ابن طباطبا العلوي الاصفهاني قال فيها:

أرِقتْ مُقلتي لحبِّ عَرُوس

طفلةٍ في الملاحِ غيرِ شموسِ

فتنثني بظلمةٍ وضياءٍ

إذ بَدَتْ لي كالعاج في الأبنوس

تتلقّى الظلامَ من مُقلتيها

بشعاع يحكي شُعاعَ الشموسِ

ذات دَلّ قصيرة كلما قا

مت تهادى طويلة في الجلوس

لم تزل تسبغُ الوضوءَ وتنقى

كلَّ عضوٍ لها مس التنجيسِ

دأبُها ساعةَ الطهارةِ دفنُ الع

نبرِ الرَّطبِ في الحنوطِ اليبيس

ومن أجود ما قيل في الحية قول النابغة:

صِلُّ صفا لا ينطوي من القصَرْ

طويلةُ الأطرافِ من غيرِ خَفَرُ

مهروتةُ الشدقينِ حوْلاءُ النظَرْ

تَفترُ عن عُوجِ حداد كالابَرْ

داهية قد صغرت من الكبر

وقال الآخر:

خُلِقتْ لهازمُهُ عرين ورأسهُ

كالقرص فلطح من دقيقِ شعيرِ

فكأنَّ شدقيهِ إذا استعرضَتهُ

شِدْقا عجوزٍ مضمضَتْ لطهورِ

وأجاد خلف في قوله:

ثم أتى بحيَّةَ ما تنجي

أبتر مثل بيذقِ الشطرنجِ

وليس من شعر المحدثين في الحية أحسن من قول ابن المعتز:

كأنني ساورتني يومَ بينهم

رقشاءُ مجدولة في لونها بلقُ

كأنها حين تبدو من مكامنها

غصنٌ تَفتح فيهِ النورُ والورق

ينسل منها لسانٌ تستغيث به

كما تعوَّذَ بالسَّبابةِ الغَرِقُ

وقوله أيضاً:

أنعتُ رقشاء لا يحيى لديغتها

لوقدِها السيف لم يعلق بهِ بللُ

تلقى إذا انسلختْ في الأرض جلدتها

كأنّها كمُ درع قدَّهُ بطلُ

وقلت:

وخفيفةِ الحركاتِ تقترعُ الرُّبى

كالبرقِ يلمعُ في الغَمام الرائح

منقوطة تحكي بطونَ صحائف

إبانَ تبدو من بطونِ صفائحِ

ترضى من الدنيا بظلِّ صُخيرةٍ

ومن المعايش باشتمامِ روائحِ

وهذا من قولهم: إن الحية إذا هرمت لم تحتج إلى الطعم واكتفت بالنسيم. وقال أعرابي:

وحنشٍ كحلقةِ السَّوارِ

غايتهُ شَبرٌ من الأشبارِ

كأنهُ قضيبُ ماءٍ جاري

يفترُّ عن مثل تلظّي النار

وقال آخر:

يرقونه فكأنما

يعنى برُقْيتهِ سواه

وقال أبو العباس ثعلب: يقال إنه لم يسمع في صفة الحية أحسن من هذا البيت وأنشد:

كأنما لسانُه على فيهِ

دخانُ مصباحٍ ذكتْ ذواكيه

وقال عبد الصمد بن المعذل في العقرب:

يا رُبَّ ذي إفكٍ كثير خُدعُه

يبرُزُ كالقرنينِ حينَ يطلعهُ

في مثلِ ظهرِ السبتِ حينَ تلطعه

أسودُ كالسّيحةِ فيه مصبعه

لا تصنع الرقشاء ما لا تصنعه

وقلت فيها أيضاً:

وإذا شتوتُ أمنتُ لسعةَ عقربٍ

كالنارِ طارتْ من زنادِ القادحِ

قد خلتها تمشي بسبحة عابدٍ

كلا لقد تمشي بصعدةَ رامح

وقال آخر:

يحملُ رُمحاً ذا كعوبٍ مُشتهر

فيه سِنانٌ كالحريقِ يستعرْ

انفَ تأنيفاً على حسنِ قدرِ

تأنيف أنفِ القوسِ شُدَّت بالوتر

ومن أحسن ما قيل في الحرباء، وهي دويبة شبيهة بالعظاءة تأتي شجرة التنضبة، فتمسك بيديها غصنين منها وتقابل الشمس بوجهها، فكلما زالت عين الشمس عن ساق، منها خلت يديها عنه وأمسكت بساق آخر، حتى تغيب الشمس فتسبح في الأرض وترتع قال أبو داود:

أني أتيحُ بها حرباء تنضبةٍ

لا يرسِلُ الساقَ إلا ممسكاً ساقا

والعرب تقول: أحزم من الحرباء، لأنها لا ترسل غصناً إلا أمسكت بآخر، ويشبه به الرجل الحصيف الذي لا يترك سبباً إلا أخذ بسبب أمتن منه. قال ابن الرومي في امرأة ورقيبها:

ما بالها قد حُسِّنت ورقيبُها

أبداً قبيحٌ قُبِّح الرقباءُ

ما ذاك إلا أنها شمسُ الضُحى

أبداً يكونُ رقيبها الحِرباءُ

وقال بعض العلماء:الحرباء: فارسيةٌ معربة وأصلها خورباء، أي حافظ الشمس، وخور: اسم للشمس بالفارسية. وكان ذو الرمة أنعت العرب للحرباء قال:

ودَوِّيّةٍ جرداء جدَّاء خيَّمت

بها صبواتُ الصيفِ من كل جانبْ

كأنَّ يدي حربائها متمسكاً

يدا مُذنب يستغفرُ الله تائبْ

وقال أيضاً:

وقد جعل الحرباء يصفرُّ لونهُ

ويخضرُّ من حَرِّ الهجيرِ غباغبه

ويسبح بالكفينِ سبحاً كأنه

أخو فجرة أوفى به الجذعُ صالبُهْ

وقال ايضاً:

يصلى بها الحرباء للشمس مائلا

على الجذل إلا أنه لا يُكبِّر

إذا حوّلَ الظلَّ العشيُّ رأيته

حنيفاً وفي قرنِ الضحى يتنصَّرُ

وهذه تشبيهات مصيبةٌ عجيبة الإصابة دالةٌ على شدة الحذق وثقوب الذهن، وقد أجمعت العرب أن ذا الرمة أحسنهم تشبيهات. وقال ابن المعتز:

ومهمهٍ فيه بيضاتُ القطا كِسرا

كأنها في الأفاحيصِ القواريرُ

كأنَّ حرباءَها والشمسُ تَصهرهُ

صال لنا من لهيبِ النارِ مقرور

وهذا تشبيهٌ مصيبٌ أيضاً أن للأول ماءً وطلاوة ليس لذا. ومن أحسن ما قيل في الضب قول الحماني:

ترى ضبّها متسعاً رأسه

كما مدَّ ساعِده الأقطعُ

له ظاهرٌ مثل بردِ الوشيّ

وبطنُ كما حسر الأصلع

هو الضبُّ ما مَدَّ سكانه

فإذا ضمّه فهو الضُّفدعَ

ومن أجود ما قيل في البعوض، وأجمعه قول بعضهم أنشده أبو عثمان:

إذا البعوضُ زجلتْ أصواتها

وأخَذَ اللحن مُغنياتها

لم تُطربِ السامع خافضاتها

وأرَّقَ العينينِ رافعاتها

صغيرةٌ كبيرةٌ أذاتها

يقصر عن بُغْيتها بُغاتها

ولا يصيب أبداً رُماتها

رامحة خرطومها قناتها

وقال آخر:

حنانة أعظمها أذاها

وقال ابن المعتز:

بِتُّ بليلٍ كلّهِ لم أطرفِ

قِرقسُهُ كالزبير المنتَّفِ

يثقبُ الجلدَ وراء المِطرفِ

حتى ترى فيه كشكل المِصحفِ

أو مثل روس العصفر المندَّف

وقلت:

غناءٌ يسخِنُ العينَ

وينفي فَرحَ القلبِ

ولا يأتي على الزمرِ

ولا يجري مع الضّرب

غِناءُ البقِّ بالليلِ

ينافي طرَبَ الشّربِ

إذا ما طرَقَ المرء

جرى في طلقِ الكرب

نحيفٌ راحِ كالشّنِّ

ولكنْ بات كالوَطْب

إذا ما نقبَ الجلدَ

ةَ أخفى مَوْضِعَ النَّقب

سوى حُمرٍ خَفيّاتٍ

تحاكي نقطَ الكتبِ

وقد ذكروا أن كل معنى للأوائل أخذه المتأخرون وتصرفوا فيه إلا قول عنترة في الذباب فإنه لم يتعرض له ولو رامه لافتضح وهو قوله:

وترى الذبابَ بها يُغني وحدَهُ

زجلاً كفعل الشاربِ المترنمِ

هزجاً يحكُّ ذراعَه بذراعهِ

فعلَ المكبِّ على الزنادِ الأجذمِ

وقلت:

وبدا فغناني البعوضُ مُطرباً

فهرقتُ كأس النوم إذ غناني

ثم انبرى البرغوثُ ينقطُ أضلعي

نقطَ المعلمِ مُشكلَ القرآن

حتى إذا كشفَ الصباحُ قِناعَه

قرأتْ ليَ الذُبانُ بالألحانِ

وكتب أبو القاسم الآمدي:وصار كاتب الديوان أفرغ من حجام ساباط وحسبك، أيدك الله، أن كاتب الديوان، في هذا الوقت، شيخٌ كان يخلفني ويخلف من كان يلي الديوان قبلي، يعرف بابن نوح، حسن الشيبة عظيم الهامة، كثير الصمت، لو رأيته لقلت: هذا نوح النبي صلى الله عليه وسلم سمتاً ووقاراً، وليس له عملٌ خلف سلته إلا صيد الذبان، فهو أعلم خلق الله بأجناسها، إذا مر به ذبان يطير عرفه بطيرانه، قبل أن يسقط، فيقول: هذا ذكرٌ وهذا أنثى، وهذا ربيعيٌ وهذا صيفي، وهذا ملحٌّ وهذا لجوجٌ، يسقط على العين والأنف ويطرد فيعود، وهذا يلسع وهذا ليس بلساع، وهذا يقع على الأقذار وهذا نزهٌ عيوف، لا يقع إلا على المآكل الحلوة، والأشياء العذبة، وهذا من صيد الليث، وهو جنس من العناكب، وليس هذا من صيده وهذا يقع في شبكة الخدرنق - وهذا العنكبوت الطويل الأرجل - وهذا يسفد وهو يطير، وهذا لا يسفد إلا واقعاً، وهذا مما يدخل رأسه في رؤوس الذبان السبعة، التي تقع في الأكحال، لأنه أقرح، وهذا إن وقع رأسه في كحل عمي من يكتحل به، لأنه أحمر الجبهة، وهذا يقل بدنه على خرطومهن وهذا لا يقبل، وهذا هزجٌ مغنٍ، وهذا صموتٌ، وهذا ينذر، وهذا يبشر بطنينه وزمزمته، فيصدق فيما يعد ويوعد، ويكون ذلك أخذاً بالكف. وقد ألف فيها كتابا حسنا فيه نوادر وعبر. وظننته قد نظر في باب الذباب والبعوض، من كتاب الحيوان، واستقى من هناك ففاتحته فإذا هو لا يعرف الجاحظ، ولا سمع بكتاب الحيوان قط، ونظرت فإذا أبو عثمان لم ينته في معرفة الذباب إلى شيء مما انتهى إليه وعرفه. ومن أجود ما قيل في البراغيث قول بعضهم وقد ظرف في ذلك:

فيا لعبادِ اللهِ ما لقبيلةٍ

إذا ظهرتْ في الأرضِ شَدَّ مُغيرها

فلا الدينُ ينهاها ولا هي تنتهي

ولا ذو سلاح من مَعدٍّ يضِيرُها

وقال آخر:

هنيئاً لأهل الرّيِّ طيبُ بلادهم

وأن أميرَ الرِّيِّ يحيى بنُ خالدِ

بلادٌ إذا جُنَّ الظلام تفاقرت

براغيثها من بينِ مثنى وواحدِ

ديازِجةٌ سودُ الجُلودَ كأنّها

نِعالُ بريد أرسلتْ في المزاود

وقلت:

ومن براغيث تنفي النوم عن بصري

كأنّ جَفنيَّ عن عيني قَصيرَانِ

يطلبنَ مني ثأراً لستُ أعرفهُ

إلا عداوة سودانٍ لبيضان

وقد شكاهن الرماح الأسدي فأحسن في قوله:

تَطاوَلَ بالفسطاط ليلي ولم يكن

بحنو الفضَا ليلي عليّ يطولُ

يؤرقني حُدبٌ صغارٌ أذلةٌ

وإنّ الذي يؤذينهُ لذليلُ

إذا ما قتلناهنَّ أضعفنَ كثرةً

علينا ولا ينعى لهنَّ قتيلُ

ألا ليتَ شعري هل ابيتنَّ ليلةً

وليس لبرغوثٍ إليّ سبيلُ

وقال ابن المعتز:

وبراغيث إن ظفرنَ بجسمي

خلتُ في كلِّ موضعٍ منهُ خالا

وأما القمل فأعجب ما قيل فيه قول بعضهم:

للقملِ حولَ أبي العلاءِ مصارعٌ

من بينِ مَقتولٍ وبين عَقِيرِ

وكأنهنّ إذا عَلونَ قميصَهُ

فردٌ وتوأمَ سمسمٍ مقشورِ

وقد أبدع جرير في قوله:

ترى الصيبانَ عاكفةً عليهِ

كعنفقة الفرّزْدَقِ حين شابا

وقلت في النمل:

وَحيُّ أناخوا بالمنازل باللوى

فصاروا بها بَعدَ القطارِ طينا

إذا اختلفوا في الدَّارِ ظلتْ كأنها

تبدّدُ فيها الريحُ بزرَ قطونا

إذا طرقوا قِدري مع الليلِ أصبحتْ

بواطنُها مثلَ الظوِاهرِ جُونا

لهم نظرةٌ يُمنى ويُسرَى إذا مشوا

كما مرَّ مَرعُوبٌ يَخافُ كمينا

ويمشون صفاً في الدِّيارِ كأنّما

يجرّونَ خيطاً في الترابِ مُبينا

ففي كلِّ بيتٍ من بيوتيَ قريةٌ

تضُمُّ صُنوفاً مِنهُمُ وفنُونا

فيا مَنْ رأى بيتاً يضيقُ بخمسةٍ

وفيهِ قريّاتٌ يَسعن مئينا

قالوا ومن الأبيات الجامعة للشر قول بعض القدماء:

به البقُّ والحمّى وأُسْدٌ خفيّةٌ

وعمرو بنُ هند يعتدي ويجورُ

وبالمصر برغوثٌ وبقٌّ وحصبةٌ

وحُمّى وطاعونٌ وتلك شرور

وبالبدوِ جُوعٌ لا يَزَالُ كأنَّهُ

دُخانٌ على حدِّ الأكامِ يمورُ

ألا إنما الدنيا كما قالَ رَبنُّا

لأحمدَ حُزنٌ تارَةً وسرورُ

وقلت في الجراد:

أجنحة كأنها أرديةٌ من قصبِ

لكنها مَنقوطَةٌ مثل صدورِ الكُتبِ

وأرجل كأنّها

مناشرٌ من ذهب

وقلت:

وأعرابية تَرْتادُ زاداً

فتمرقُ من بلادٍ في بلادِ

غدتْ تمشي بمنشارٍ كليلٍ

تبوعُ به قرارةَ كلِّ وادي

وتنشر في الهواء رداءَ شرب

على أرجائه نقطُ المِدَاد

وتلبسُ تحتَ ذاك عطاف لاذٍ

على أكنافه ودع الجساد

ومن عجيب ما قيل في الفأر: ما أخبرنا به أبو أحمد، عن الصولي، عن محمد بن سعيد، عن الرياشي، قال دخل أعرابي البصرة، فاشترى خبزاً فأكله الفأر فقال في ذلك:

عجّلْ رَبَّ الناسِ بالعقابِ

لعامراتٍ البيتِ بالخرابِ

كحل العيونِ وقصّ الرقابِ

مجردات أحبل الأذنابِ

مثل مدارِ الطفلةِ الكعابِ

كيف لها بأنمر وثّاب

مُنهرتِ الشدقِ حديدِ النابِ

كأنما يكشرُ عن حرابِ

يفرسها كالأسد الوثّاب

آخر الباب العاشر من كتاب ديوان المعاني والحمد لله حق حمده وصلواته على محمد وآله وصحبه والخلفاء الراشدين. ^

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أراد بنا من عاجل الخير وآجله، ومؤتنفه وراهنه، فجعل لنا في أنفسنا مواعظ، وفي أبداننا زواجر يرشدنا ويهدينا ويكفنا عما يردينا من مرض بعد صحة، وشيبة بعد شيبة، لنعتبر بتغير الأحوال علينا، وتغيير الحدثان إيانا، حمداً تتألف أشتاته وتتصل مواده، وصلى الله على محمد وآله.

هذا كتاب المبالغة في

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي