ديوان المعاني/ذم الإخوان والرفقاء

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ذم الإخوان والرفقاء

ذم الإخوان والرفقاء - ديوان المعاني

ذم الإخوان والرفقاء

وما يجري مع ذلك

من قديم ما يروى في ذلك قول لبيد بن ربيعة:

ذهبَ الذين يُعاشُ في أكنافهمْ

وبقيت في خلفٍ كجلدِ الأجربِ

وضمنه جحظة البرمكي فقال:

قومٌ أحاولُ نيلهمْ فكأنني

حاولتُ نتفَ الشعرِ من آنافهمْ

قمْ فاسقنيها بالكبيرِ وغنّني

ذَهبَ الذينَ يُعاشُ في أكنافهمْ

وأنشدنا أبو القاسم عن العقدي عن أبي جعفر لأبي الشيص:

وصاحبٍ كان لي وكنتُ له

أشفقَ من والدٍ على ولدِ

كنا كساق يمشي بها قدمٌ

أو كذراعٍ نيطتْ إلى عَضُدِ

حتى إذا دانت الحوادثُ منْ

خطوي وحلَّ الزمانُ من عُقَدي

أحولَّ عني وكان ينظرُ منْ

عيني ويرمي بساعدي ويدي

وكانَ لي مؤنساً وكنتُ له

ليس بنا حاجةٌ إلى أحدِ

حتى إذا استرفدتْ يدي يدَه

كنت كمسترفدٍ يدَ الأسد

ومن جيد ما قيل في ذي الوجهين:

تعاشرُني ضحكاً كأنك ناصحٌ

وعينك تُبدي أنَّ قلبك لي دوِي

لسانك لي شهدٌ وقلبك علقمٌ

وشرُّك مبسوطٌ وخيرك ملتوي

أراك إذا لم أهو شيئاً هويتَه

ولستَ لما أهوى من الشيء بالهوِي

عدوُّك يخشى صولتي إن لقيته

وأنت عدوِّي ليس ذاك بمستوي

وكم موطن لولايَ طحتَ كما هوى

بإجرامه من قُلة النيقِ مُنهوي

كأنك ان قيل ابنُ عمك غانمٌ

شج أو عميدٌ أو أخو مغلة جوي

بدا منك غشٌّ طالما قد كتمته

كما كتمتَ داءَ ابنها أم مُدَّوِي

وقريبٌ من ذلك، ما أخبرنا به أبو أحمد، قال: أخبرنا الصولي، قال: أخبرنا أبو ذكوان عن الرياشي قال: سمعت أبا عبيدة، يقول دخل رجلٌ الكوفة، فنزل بآل عطارد فلم يضيفوه ورأى لهم أبنية عاليةً فقال ارتجالاً:

تناهوا برفع الدُّور حتى كأنها

جبال وما شدى بخير شعابها

فليسوا بفتيان السماحة والنَّدَى

ولكن فتيانا تسوَّى ثيابها

فقد أصبحتْ أضيافُ آل عُطارِدٍ

خماصاً مطاياها خفافاً عبابها

ومن ذلك قول الشاعر:

لعمري لقد أعطيتَ بُرداً وحُلةً

وعراك من ثوبِ السماحةِ سالبُه

فما يكُ من خير فما تستطيعه

وما يك من شرٍّ فإنك صاحبُه

وقال يزيد المهلبي:

فإذا غنيت فكلهم لي خاتلٌ

وإذا افتقرت فكلهم لي جافي

وما أكثر أحدٌ في ذم الزمان إكثار إبراهيم بن العباس فمن جيد قوله:

كم أخٍ كانَ مني فلما

أن رأى الدَّهرَ جفاني جفاني

مُستعدٌّ لي بسهم فلما

أن رأى الدَّهرَ رماني رماني

وقال غيره:

إحذَرْ مودَّةَ ماذِقٍ

شابَ المرارةَ بالحلاوَهْ

يُحصي العيوبَ عليك أيّ

امَ الصداقةِ للعداوَهْ

وقال إبراهيم:

بلوتُ الزَّمانَ وأهلَ الزَّمان

وكلٌّ بلومٍ وذمٍّ حقيق

فأوحشني من صديقي الزمان

وآنسني بالعدوِّ الصدي

وقوله:

أخ كنت آوي منهُ عندَ ادّكارِه

إلى ظلّ آباءٍ من العزِّ باذخ

سَعتْ نوَبُ الأيامِ بيني وبينه

فأقلعنَ منا عن ظلومٍ وصارخ

وإني وإعدادي لدهري محمداً

كملتمس إطفاءَ نارٍ بنافخ

وقال بعض الجعفريين:

إن الجديدينِ في طولِ اختلافهما

لا يفسدانِ ولكن أفسد الناسِ

فلا يغرنك أضغانٌ مُزَملةٌ

قد يُركبُ الدبر الدامي بأحلاسِ

قالوا هو من قول زفر بن الحارث:

وقد ينبتُ المرعى على دِمَن من الثرى

وتبقى حزازاتُ النفوس كما هيا

قالوا: يعني الرجل يظهر لك الود، ويضمر خلافه كالنبات الحسن، ينبت على القذر فيصير رائق الظاهر خبيث الباطن، وقال آخرون: الدمنة حيث تنزل الأبل فتدمن بالأبوال والأبعار، فلا تنبت شيئاً فإذا طال عليه العهد، وسفته الرياح، وأصابته السماء، نبت بعد حين، فيقول قد ينبت ذاك وهو مما لا ينبت، ويتغير بالنبات وتبقى حزازات القلوب لا تتغير، وهذا التفسير هو الصحيح، لأن ألفاظ البيت تقتضيه والأول فاسدٌ لأنه ليس على مقتضاها. وقال أبو فراس بن حمدون في ذم الإخوان فأجاد:

تناساني الأصحابُ إلا عُصيبَةً

ستلحقُ بالأخرى غداً وتحولُ

فمن قبل كانَ الغدرُ في الناس سُبّهً

وذمَّ زمانٍ واستلامَ خليل

وفارق عمرو بنُ الزبيرِ شقيقَه

وخلّى أميرَ المؤمنين عقيلُ

ومن ذا الذي يبقى على الدهر إنهم

وإنْ كثُرتْ دعواهمُ لقليلُ

وصرنا نَرَى أنَّ المتارِكَ مُحسنٌ

وأنّ خيلاً لا يضرُّ وصولُ

أقلّبُ طرفي لا أرى غيرَ صاحبٍ

يميلُ مع النعماءِ حيث تميلُ

وقلت:

إلى كم تسمترُّ على الجفاء

ولا ترعى حُقوقَ الأصدقاءَ

فمن لي أن أرَى لك مثلَ فعلي

فنصبح في الودادِ على استواءِ

ألا أني لأعرفُ كلَّ شيءٍ

سوى خلقِ الرعايةِ والوفاءِ

عريتَ من الوفاءِ وليس بدعاً

لأنك قد عريتَ من الحياءِ

فإن ترجع إلى الحسنى وإلا

فخيرُ سبيلنا تركُ اللقاءِ

وإن كانَ التقاربُ ليس يُجدي

فما الاجداءُ إلا في التنائي

وأنشدنا أبو أحمد، قال أنشدني ابن لنكك البصري لنفسه بذم الزمان:

يا زِماناً ألبسَ الأح

رارَ ذلاً ومهانَهْ

لستَ عندي بزمان

إنما أنتَ زُمانَهْ

وقلت:

زمانٌ كثوبِ الغولِ فيهِ تَلُّونٌ

فأوَّلهُ صفوٌ وآخرهُ كدرُ

وقال آخر في خلاف ذلك:

أرى حُللاً تصانُ على رجال

وأعراضاً تهانُ فلا تصانُ

يقولونَ الزَّمان به فسادٌ

وهم فسدوا وما فسدَ الزَّمانُ

وأنشدنا أبو أحمد قال أنشدنا أبو بكر بن دريد:

مشى فوقه رجلاه والرأس تحته

فكبَّ الأعالي بارتفاعِ الأسافلِ

وقال أبو الشعر موسى بن سحيم:

متى ما تفكر في الزَّمانِ وأهلهِ

تقل لاعبٌ هذا وليسَ بلاعبِ

وأنشدنا الآخر أيضاً:

تبلدَ هذا الدَّهر فيما رَجَوْته

على أنه فيما أحاذِره نَدب

وأنشدنا أبو أحمد قال أنشدنا جحظة لمحمد بن يعقوب بن داود:

لا تعجبنك عمامتي

فالفقرُ من تحتِ العمامهْ

والفقرُ في زمنِ اللئا

مِ لكلِّ ذي كرم علامه

وقلت في قريب منه:

وليسَ يفنكُّ كشخانُ يجاذبنا

علامةُ الحرِّ أن يبلى بكشخانِ

وأنشدنا أبو أحمد قال أنشدنا جحظة البرمكي لنفسه:

ربِّ قد ضاقت النفو

سُ وقد قلَّت الحِيلْ

فلكٌ لا يدورُ

إلا بما تشتهي السفلْ

وقال أبو تمام:

على أنها الأيامُ قد صرنَ كلها

عجائب حتى ليسَ فيها عجائبُ

ومن عادةِ الأيام أنَّ صُروفَها

إذا سرَّ منها جانبٌ ساء جانبُ

وقال قابوس بن وشمكير:

قلْ للذي بصروفِ الدَّهرِ عيَّرنا

هل عاندَ الدَّهرُ إلا من له خطرُ

فإن تكنْ نشبتْ أيدي الزمانِ بنا

ومسّنا من تمادي بُؤسه ضَررُ

ففي السماءِ نجومٌ غير ذي عدد

وليسَ يُكسَفُ إلا الشمسُ والقمرُ

أما ترى البحرَ يعلو فوقه جيفٌ

وتستقرُّ بأقصى قعره الدُّرَر

وقريب من هذا ما قلته:

إن كنتَ تسلم من شغبِ الزمان ولا

أعطى السلامة منه كلما شغبا

فالعاصفاتُ إذا مرَّتْ على شجرٍ

حطمنه وتركن البقلَ والعشبا

وأنشدنا أبو أحمد قال: أنشدنا جحظة البرمكي لنفسه في المعنى الأول:

يقولونَ زُرنا واقضِ واجبَ حقنا

وقد أسقطتْ حالي حقوقهمُ عني

إذا أبصروا حالي ولم يأنفوا لها

ولا لهم منها أنفتُ لهم منّي

وأنشدنا أبو علي بن أبي حفص قال أنشدني أبو جعفر للعطوي:

ليَ خمسونَ صديقاً

بين قاضٍ وأميرِ

لبسوا الوفرَ فلم أخل

ع بهمْ ثوبَ الفقيرِ

كلهمْ كالَ ليّ الحر

مانَ بالصّاعِ الكبيرِ

ومن ههنا أخذ ابن الرومي قوله:

سألتُ قفيزينِ من حنطة

فجدتَ بِكُرٍّ من المنع وافي

وقد تقدم. وقلت:

أليس صعباً أن ترى كاشحاً

مالك بُدٌّ من مداراته

أصبحت في دار إساآته

أعداد أنفاسي وساعاته

وأنشدني عم أبي لأبي الأسد الدينوري:

ليتك أدَّبتني بواحدة

تقنعني منك آخرَ الأبدِ

تحلفُ لي لا تبرُّني أبداً

فإنّ فيها برداً على كِبدي

اشفِ فؤادي مِنِّي فإنّ به

عليّ قرحاً نكأته بِيَدي

إن كانَ رزقي إليك فارمِ به

في ناظري حيةٍ على رصدِ

فكيفَ أخطأت لا أصبت ولا

نهضت من عثرة إلى سَدَدِ

لو كنتُ حُراً كما زعمت وقد

كَدَدتني بالمطالِ لم أعُد

لكنني عُدتُ ثم عُدت فإن

عدتُ إلى مثلِ هذه فعد

قد صرتُ من سوءِ ما بليتُ به

أكْنَى أبا الكلبِ لا أبا الأسدِ

وقلت:

العين تذرف والفؤاد يذوبُ

والوجد يحضر والعزاء يغيبُ

ولقلة الكرماء أنت مُضَيِّعٌ

ولكثرة الجهالِ أنت غريب

تالله لم تخطئك أسباب الغنى

إلا لأنك عاقلٌ وأديب

فاصبر فقد عزّاك عن دركِ الغنى

أن ليسَ يدركه أغرُّ نجيبُ

عابوا قطوبي ان تعذرَ مطلبي

أرأيتَ بدراً ليس فيه قطوب

وشحوب جسمي من مواصلة السرى

هل من هلالٍ ليسَ فيه شحوب

ولقد يَدلُّ على كمال كرامتي

أني إلى قلبِ الكريم حبيبُ

ولقد جلا حزني وفرّج كربتي

أنَّ اللئيم لرؤيتي مكروبُ

لا تلعبنَّ فمن ورائك طالبٌ

ومن العجائبِ لاعبٌ مطلوبُ

وقال أبو تمام:

هبْ من له شيءٌ يُريدُ حجابَهُ

ما بال لا شيء عليه حجابُ

ما زالَ وسواسي لقلبي خادعا

حتى رجا مطراً وليس سحاب

ما إنْ سمعتُ ولا أراني سامعاً

يوماً بصحراء عليها بابُ

ما كنت أدري لا دريت بأنه

يجري بأفنية البيوتِ سرابُ

فصل

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي