ديوان المعاني/صفات الخيل

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

صفات الخيل

صفات الخيل - ديوان المعاني

صفات الخيل

قد وصفها الناس، في قديم الدهر وحديثه، وصفاً كثيراً، واتسع فيها قولهم اتساعاً شديداً وأنا أجيء بالبديع الغريب من ذلك، وأضرب عنغيره لكثرته واستفاضته، ولاحاجة بالناس إلى أن نورد عليهم ما عرفوه، ووقفوا عليه وتداولوه، إلاما لا بد من إيراده، لفقد شبيه وعدم نظيره: فمن بديع ما جاء عن القدماء في صفة الفرس قول أبي دؤاد:

يحمل منه بعضُهُ بعضَهُ

فراكبٌ منهُ ومركوبُ

وقول الأعرابي:

وأحمرُ كالديباج أما سماؤهُ

فَرَيا وأما أرضهُ فمحُولُ

سماؤه: أعاليه، وأرضه: أسافله، يعني حوافره. ومن أجود ما قيل في تأنيف أذن ما أنشده القتبي:

كأن آذانها أطراف أقلام

وأحسن ما قيل في اصطفاف الخيل قول الأسعر:

يخرجن من خللِ الغبارِ عوابساً

كأنامل المقرورِ أقعى فاصطلى

أي كلهن يبادر الغارة فليس يفوت بعضها بعضاً. أخذه علي بن جبلة فقال رحمه الله:

كأنَّ خيلكَ في أثناءِ غمرتها

أرسالُ قطرٍ تهامَى فوق أَرسالِ

يخرجنَ من غمراتِ النقع سامية

نشر الأناملِ من ذي القرةِ الصالي

والأول أجود. ومثل ذلك قول الراجز.

مستويات كضلوع الجنب

وفي وصف وقع قوائمها قول مالك بن حريم الهمداني:

وتَهدي بي الخيل المغيرةَ نَهدة

إذا صبرت صابت قوائمها معا

ومن أحسن الاستعارة قوله:

وإن عثرت إحدى يديهِ بثبْرة

تجاوبَ أثناء الثلاث بدعدَعا

وكان الأحسن أن لا يصفها بالعثار إلا أن قوله:

تجاوب أثناء الثلاث بدَعدَعا

مستعار حسن، يعفى على إساءته في وصفه إياه بالعثار، ودعدع مثل قولهم لعاً وهو دعاء للعاثر بالحياة. وأهدى بعضهم شهرياً وكتب:بعثت بشهري حسن المجموع، لين الموضوع، وطئ المرفوع، همه أمامه وسوطه لجامه. وقد أحسن ابن المعتز في قوله:

وخيل طواها القَودُ حتى كأنّها

أنابيبُ سمرِ من قنا الخط زبِّل

صببنا عليهم ظالمينَ سياطَنا

فطارت بها أيدٍ سِراعٍ وأرجُلُ

فذكر أنهم ضربوها من غير أن تمنع شيئاً من مطلوب سيرها فكانوا ظالمين لها. وقد أجاد في قوله أيضاً:

أضيع شيء سوطه إذ تركبه

وقالوا أحسن بيت قالته العرب قول جرير:

وطوى الطرادُ مع القيادِ بطونَها

طي التجارِ بحضرموتَ بُرُودا

وقد أحسن الأعرابي القول في سرعة الفرس حيث يقول:

غايةُ مجدٍ رُفعت فمن لها

نحن حويناها وكنا أهلها

لو ترسلُ الريح لجئنا قبلها

وقول الآخر:

جاءَ كمثلِ البرقِ جاشَ ماطرُه

يسبحُ أولاهُ ويطفو آخره

فما يَمَسُّ الأرض منهُ حافرهُ

وهذا غاية في وصف سرعة العدو إلا أن قوله:

يسبح أولاه ويطفو آخره

رديء لأنه جعله مضطرب المقاديم والمآخير. وقول عبدة بن الطبيب في الثور:

يخفي الترابَ بأظلافٍ ثمانيةٍ

في أربع مَسَّهنَّ الأرض تحليلُ

يقول ان مواصلة هذا الثور، بين خطواته، كمواصلة الحالف يمينه بالتحلة لا تراخي بينهما، والتحلة قول إن شاء الله. ومن عجيب القول في سرعة الفرس قول ابن المعتز:

كأنّ جنانَ الفلاةِ تضربه

كأنّ ما يَهربُ منهُ يطلبه

وقد أجاد القائل في صفة كلاب:

كأنما يرفعن ما لا يُوضع

ومن عجيب ما قيل في إدامة الجري قول العرب:يباري ظله ويباري عنانه، ويباري شباة الرمح. ويستحب في الفرس إشراف مقدمه ومؤخره، فمن أجود ما قيل في ذلك قول علي بن جبلة:

تحسبهُ أقعِدَ في استقبالةِ

حتى إذا استدْبرْتهُ قلتَ أكبّ

وقد أجاد المتنبي هذا المعنى في قوله:

إن أدبرتْ قُلتَ لا تليلَ لها

أو أقبلت قلتَ ماله كفلُ

وقلت:

طِرْف إذا استقبلته قلتَ حبا

حتى إذا استدبرتَهُ قلتَ كبا

و أربع يلقى الصفا بمثلها

وللحصى من خلفها وثب دبا

إذا ترامينَ به في سيرهِ

تحسبهُ منها على أنف الصبا

ووصف النبي صلى الله عليه وسلم إناث الخيل، بأعجب وصف في قوله:ظهورها حرز وبطونها كنزوقال الأسعر الجعفي في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ظهورها حرز:

ولقد علمتُ على توقّيَّ الردَى

أن الحصونَ الخيل لا مَدَر القرى

ومن أجود ما وصف به حضر الفرس، قول الأعرابي في فرسه:حضر ما وجد أرضاًوقد بالغ امرؤ القيس في قوله:

على هيكل يعطيك قبلَ سُؤِاله

أفانينَ جريٍ غير كزٍّ ولا وان

قوله: قبل سؤاله عجيب الموقع، وقوله: أفانين جري أعجب وأبلغ. وأجود ما وصف به ظفره عند الطلب قوله:

وقد أغتدي والطيرُ في وكناتها

بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلِ

فجعل الأوابد وهي الوحش مقيدة له ينالها كيف يريد. وقد أجاد أيضاً أحسن القول في اليقين بالظفر حيث يقول:

إذا ما ولدنا قالَ ولدانُ أهلنا

تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطبُ

وأحسن عمارة التقسيم في قوله في هذا المعنى:

وأرى الوحش في يميني إذا ما

كانَ يوماً عِنانُه في شمالي

ونقله الشماخ بن ضرار إلى وصف رام فأحسن حيث يقول:

قليلُ التلاد غير قوسٍ وأسهم

كأنَّ الذي يرمي من الوحش تارز

أي جامد بارد يصيبه كيف يريد. وجعله أبو نواس في نعت كلاب فقال:

بأكلبٍ تمرحُ في قداتها

تَعُدُّ عيرَ الوحشِ في أقواتها

وهو من قول أبي النجم:

تعد غابات اللوى من مالها

وقوله:

يردى على حوافرٍ لا تخذلُه

صم الشوَى يحملها وتحمله

حافٍ وما يحفى وما تنعِّلهْ

ثار عجاج مستطيل قسطله

تنفش منه الخيل ما لا تعزله

في جنبه الطائر ديث عجله

كأنَّ تُربَ القاع وهو يسحله

ضيقُ شياطين زفتهُ شمأله

أو خَلقٌ ينشقُّ عنه سمله

ترى الغلامَ ساجياً لا يركله

يعطيهِ ما شاء وليس يسأله

فوافت الخيل ونحن نشكله

ويستحب في الخيل سعة المنخرين. فمن أبلغ ما قيل في ذلك. قول مزاحم بن طفيل العقيلي:

من منخرٍ كوجار الثعلب الخرب

فجعله خرباً ليكون أوسع

وقال العباس بن مرداس:

مِلء الحزامين وملء العين

ينفشُ عندَ الربو منخرين

كنفش كيرين بكفي قين

ومن أبلغ ما قيل في طول عنق الفرس:قول مزاحم العقيلي أيضاً:

كأن هاديه جذعٌ على شرفٍ

فلم يرض أن جعلها جذعا، حتى جعلها على شرف كصنيع الخنساء في قولها:

كأنه علمٌ في رأسه نار

وقلت:

بمعقودِ السراة على اندماج

ومزرورِ القميصِ على انشمارِ

يُريكَ جبينهُ لمعانَ بَرْقٍ

وسائرُ جسمهِ لمعانَ قار

فيشه تحتَ جُنح الليلِ ليلاً

ويحكي الخالَ في خدِّ النهارِ

ويقبلُ حينَ يُقبلُ في سموّ

ويُدبِرُ حينَ يُدْبرُ في انحدار

ويُمسك وهو كالفدن المعلى

ويحضرُ وهو كالمسد المغار

يلوحُ البدرُ منهُ في جبينٍ

وتتضحُ الثريا في عذارِ

وقد أبدع القائل في وصف فرس أبلق أغر فقال:

وكأنما لطمَ الصباحُ جبينهُ

فاقتصَّ منهُ فخاضَ في أحشائهِ

إلا أنه أسماء في العبارة وذلك أن اللطم لا يكون إلا على الخد، وضرب الجبين لا يسمى لطماً، والقصاص يكون بمثل الفعل، فالقصاص باللطم اللطم، لا الخوض في الأحشاء. وقال ابن دريد وأحسن في وصف الغرة والتحجيل:

كأنما الجوْزَاءُ في أرْساغِهِ

والنجمُ في جبهتهِ إذا بدا

ونحوه قول كشاجم:

قد راحَ تحت الصبح ليلٌ مُظلم

لو راحَ في السرج الأدهم

ضحك اللجينُ على سوادِ أديمه

وكذا الظلام تنير فيه الأنجمُ

فكأنهُ ببناتِ نعش مُلبَّبٌ

وكأنما هو بالثريا مُلجَمُ

وقلت:

عارضتُ فيهِ النجمُ فوقَ مُطهم

يهوى لطيئه هُوِيَّ الأعقب

ذاوي العسيبِ قصيرهُ ضافي السبي

بِ طويلهُ صافي الأديم محبب

كالنورِ بينَ العشبِ يبهرُ حسنهُ

بين الجيادِ إذا بدا في موكب

وتطيرُ أربعهُ بهِ في أبطح

فكأنه من طولها في مرقبِ

صمّ الحوافرِ شرب صمّ الصفا

منها الأهلةُ في الصفا والصلبِ

وكأنَّ غرتهُ تفضضُ وجهه

والنقعُ يذهبهُ وإن لم يُذْهب

وكأنَّ في أكفالهِ وتَليلهِ

غسقَ النجومِ فتستطيلُ وترتبي

وكأنما الأرساغُ ماءٌ لم يسل

والجسمُ كأسُ مُدامةِ لم يقطبِ

لم يُطب إلا يفوتُ ويُطلب

إلا يفوزُ فلم يخب في مطلبِ

والعاصفاتُ حسيرةٌ والبارقا

تُ أسيرةٌ في شدةِ المتهلب

وكأنما يحوي مدارُ حزامهِ

أحناءَ بيتٍ بالعراءِ مطنبِ

وأول من شبه الحافر بالحجارة الأفوه في قوله:

يرمي الجلاميد بأمثالها

ثم قال رؤبة:

يرمي الجلاميد بجلمودِ مدق

وأبلغ ما وصف به شدة قوائم الفرس ما أنشدناه أبو أحمد، عن ابن دريد، عن الاشنانداني عن الجرمي:

سِيانَ تحت طمره وطمورهِ

أكمُ الفلا ومقايلُ الولدانِ

يطأ الخَبَار فلا يطيرُ غبارهُ

ويرضُّ حافرهُ حصى الحزّان

يقول: سواء عنده إذا طما في سيره، أي ارتفع، وإذا طمر أي وثب، الأكم: وهي المرتفعات من الأرض، فيها حجارة وطين، والمقايل: وهي ملاعب الصبيان، إذا لعبوا بالتراب، فمدوا منه طريقين، بينهما كالجدول، ثم خبأوا خبيئاً فمن أخرجه فقد غلب. والخبار: الأرض السهلة، إذا مشى فيه خفف وطأه، فلم يثر غباراً، وإذا جرى في الحزان وهي الغليظ من الأرض، مكن حافره فرض الحصى. ونحو قول جرير:

ضزم الرقاق مناقل الأجرال

يقول: إذا صار في الرقاق من الأرض، اضطرم من جريه، وإذا صار في الأجرال، وهي مواضع الحجارة، ناقل فيها لتطمئن مواقع حوافره. وقول الآخر:شادخة تشدخ من أدلاها. يقول تبعد عن الطريق ولا تبالي سهلاً أخذت أم حزناً. ومن الفرد الذي لا شبيه له قول ابن المعتز:

ولقد غدوتُ على طمرّ قادحٍ

رفعت قوائمهُ غمامة قسطلِ

ومُحجَّلٍ غر اليمين كأنه

مُتبخترٌ يمشي بِكُمٍّ مُسَبلِ

وقد أحسن القائل في قوله:

مدى خطوهِ أقصى مواقعِ طرفهِ

وأوَّلُهُ في منعه الخطو آخرهُ

وقد قطعت من لونها الشمسُ غُرَّةً

لهُ وحجولاً ثم كالظلِّ سائرهُ

وقال ابن المعتز:

تمّت لهُ غُرَّةٌ كالشمسِ مُشرِقةٌ

يكادُ سائُلها عن وجههِ يكفُ

إذا تقرَّطَ يوماً بالعذارِ وغدا

كأنه غادةٌ في أذنها شَنَف

وقلت:

إذا تحلّى بالعذارِ ومشى

قلتَ فتاةٌ تتصدّى لفتى

كأنه تحت الحليِّ رَوضَةٌ

دَرَّ عليها الزَّهرُ أخلافَ الحيا

وأبلغ ما قيل في طول الفرس في الهواء قول أبي دؤاد:

إذا ما جرى شأوينِ وابتلَّ عطفهُ

أناخ بهاد مثل جذع سَحُوقِ

كأني إذا عاليتُ حوزةَ متنهِ

تعلق بزي عندَ بيضِ أنوق

وبيض الأنوق في أعلى موضع من الجبل، فلا ترى أشد مبالغة من هذا البيت. وقلت:

مُضطرمُ الغدوِّ والرَّواحِ

تخاله يمشي على أرماحِ

وأخبرنا أبو القاسم، عن العقدي عن أبي جعفر، عن المدائني قال: أهدى رجل من الدهاقين إلى خالد بن عبد الله القسري برذوناً وقعد بين يديه فقال ما هذا ؟ فقال:

أسرع من لحظته إذا عدا

أطوعُ من عِنانهِ إذا جُذبِ

ويشبه الفرس في عدوه بالنار فأجمع ما جاء فيه قول ابن المعتز:

ربما أغدو وتحتي طِرفٌ

لاحقٌ بالمهاديات طِمْر

طُويَ الشحمُ على متنتيه

مثل ما يطوي القباطي تجر

فهو نارٌ والترابُ دُخانٌ

مستطيرٌ وحصى الأرض جمرُ

وقال:

وكم غدوت بفتيانٍ تسيل بهم

سوابقٌ أحكمتهنَّ المضاميرُ

مكنفاتٍ بآذانٍ نواصيها

كما يشقُّ عن الطلع الكوافير

تنزو كراتهمُ في كل مُعترك

كما يطيرُ من الذعرِ العصافيرُ

وقوله: تسيل بهم سوابق من أجود ما وصف به الجري السهل. ويستحب في الفرس الشدق، وهو سعة الشدقين فمن المذكور في ذلك قول بعض العرب:

وان يُلق كلبٌ بين لحييه يذهب

ومن مليح ما قيل فيه قوله ابن المعتز:

ناظر في غرة

شمها واسترطا

وإذا سار رمى

يدَه والتقطا

وكأن ملجمه

يفتحان سفطا

وقال:

وغدونا بأعنة خيل

تأخذُ الأرض بأيدي عجالِ

زينتها غررٌ ضاحكاتٌ

كبدورٍ في وجوهِ الليالي

ومن غريب التشبيه، تشبيههم قوائم الفرس المحجلة عند السير، بجراء كلاب بيض. قال الراجز:

كأن اجراء كلابٍ بيض

دون صافيه إلى التعريضِ

وقال العماني الراجز:

كأن تحت البطنِ منه أكلُباً

بيضاً صغاراً ينتهشْنَ المنقبا

وتبعه الحماني فقال:

وليلٍ مثل خافيةِ الغُرابِ

عييُّ مذاهب وخفي بابِ

دَلفتُ لهُ بأسود مستمر

كما نظرَ الغِضابُ إلى الغضاب

أجشُّ كأنما قابلتُ منهُ

تبعُّقَ لُجّةٍ وحريقَ غابِ

تراهُ كأنّ عينكَ لا تراهُ

إذا وَصَلَ الوِثاب إلى الوِثاب

كأن لدَى مغابنهِ التماعاً

تهارش عنده بُقعُ الكلابِ

وليس نظم هذا البيت بمختار، وذكر قوائمه ثم قال:

يخالس بينها رفعاً ووضعاً

كما خفقت بنانُك بالحسابِ

ومن أحسن ما قيل في الحصى الذي يترامى بسنك الفرس إذا جرى قول امرىء القيس:

كأنّ الحصى من خلفِها وأمامِها

إذا نجلته رجلها حَذفُ أعسرا

وجعله أعسر لذهابه على غير استواء، أخذه ابن المعتز فقال وغير لفظه وأتى بمعناه:

يقذفُ بالرجل حصى الطريقِ

كأنهُ رامٍ بلا تحقيقِ

وقال:

ينفي خفاف الحصى والنقعُ منتشرٌ

كأنها خلفَ رجليه الزنابير

وقد أجاد الكميت في قوله:

كأن الحصى المعزاءِ بينَ فروجِها

نوى الرضخِ يلقى المصعد المتصوّب

فجعلها لكثرتها تتلاقى في الهواء، وزاد في ذلك على الممزق ومنه أخذه وهو قوله:

كأن حصى المعزاءِ بينَ فروجها

نوادي نوىً رضاخة لم تدققِ

وقد أجاد الراجز في قوله:

يرضخ ما يرضخ ما لا يرضخ

يقول، إذا وطأ الحصى، نبت من تحت سنبكه، فأصاب ما لم يطأه فدفعه من موضعه، وكأن رضخه أي رمحه والرضخ الرمح. ويشبه الحافر بالقعب، فمن قديم الشعر في ذلك قول امرىء القيس:

لها حافر مثل قعب الوليد

أخذه ابن المعتز فقال:

قد اغتدي بقادحٍ

مُسوَّم يَعبوبِ

ينفي الحصى بحافرٍ

كالقَدَح المكبوبِ

قد ضحكت غرتُه

عن موضع التقطيبِ

وقد أحسن أبو تمام في قوله:

بحوافرٍ حُفرٍ وصُلبِ صلِبٍ

وأشاعرٍ شعرٍ وحلق أحلقِ

فجعل البيت كله تجنيسا ولعله ما سبق إلى ذلك. وقد عاب الآمدي قوله: وصلب صلب، وقوله وحوافر حفرٍ، وقال: إن الحوافر لا تحفر الأرض، وأكثر ما ذكر في ذلك، أنها تثير الغبار قال: وهو استقصاء المعنى، قلنا: وبعضهم يستحسن ذلك وبعضهم يكرهه. ومن المذكور في صفة الفرس، قول البحتري، وهو أوصف المحدثين للخيل، وأكثرهم إجادة في نعتها:

أما الجوادُ فقد بلونا يومَهُ

وكفى بيومٍ مُخبراً عن عامِهِ

جارى الجيادَ فطارَ عن أوهامها

سبقاً وكاد يطيرُ عن أوهامهِ

جذلانُ تلطمُهُ جوانبُ غُرّةٍ

جاءت مجيءَ البدرِ حين تمامِهِ

واسودَّ ثم صَفَتْ لعينَيْ ناظرٍ

جنباتهُ فأضاء في إظلامهِ

مالت نواحي عُرفه فكأنها

عذباتُ اْثلٍ مالَ تحت حمامه

ومقدّمِ الأذنين تحسِبُ أنّه

بهما يرى الشخصَ الذي لأمامهِ

وكأن فارسَه وراء قَذَالهِ

رِدفٌ فلستَ تراهه من قُدَّامهِ

لانَتْ معاطفُه فخُيِّلَ أنّه

للخيزُرانِ مُناسبٌ بعظامهِ

وكأنّ صهلَتَهُ إذا استُعْلي بها

رَعْدٌ يقعقعُ في ازدحام غَمامه

مثلَ الغرابِ بدا يباري صحبَه

بسوادِ صِبغتهِ وحُسنِ قَوامهِ

والطَّرفُ أجلبُ زائرٍ لمؤونَةٍ

ما لم يزره بسرجِهِ ولجامهِ

وقوله أيضاً:

وأغرَّ في الزمن البهيمِ مُحجَّلٍ

قد رُحتُ منهُ على أغرّ مُحجَّلِ

كالهيكلِ المبنيِّ إلا أنّهُ

في الحُسْنِ جاءَ كصُورةٍ في هِيْكَلِ

ذَنَبٌ كما سحبَ الرداء يَذُبُّ عن

عُرفٍ وعُرفٌ كالقناع المسيلِ

جذلانُ ينفضُ عُذرةً في غُرّةٍ

يقِقٍ تسيلُ حُجولُها في جَنْدلَ

تتوهمُ الجوزاءُ في أرساغهِ

والبدرُ غُرّةُ وجههِ المتهّللِ

وتراهُ يسطعُ في الغُبارِ لهيبُهُ

لوناً وشدّاً كالحريقِ المُشْعَلِ

هزجَ الصهيلَ كأنَّ في نَغَماتِهِ

نَبَراتُ مَعْبدَ في الثقيلِ الأوّل

مَلَكَ العُيون فإنْ بدا أعطينَهُ

نظرَ المحبِّ إلى الحبيبِ المقبلِ

وقد أحسن ابن طباطبا في قوله:

عجباً لشمسٍ أشرقتْ في وجهه

لم تمح منهُ دجى الظلامِ المطبقِ

وإذا تمطر في الرهانِ رأيتهُ

يجري أمامَ الريح مثلَ مطرّق

وقال ابن المعتز:

تحلمني طِرْفَةٌ

صادِرَةٌ واردهْ

ترضيك في يومها

وهي غداً زائده

ورجلها تقتضي

ويدها جاحده

وبإسناد لنا أن رجلاً أنشد أبا البيداء قول أبي نخيلة:

لما رأيتُ الدّيْنَ ديناً يُؤفَك

وأمست القبَّةُ لا تستمسكْ

تُفتقُ من أعراضِها وتهتك

سرتُ من الباب فسارت دكدك

منها الدَّجوجيُّ ومنها الأرمك

كالليلِ إلا أنها تحركُ

فقال: لعنك الله، إن كنت أنشدتنيها، وأنت على غير وضوء، قوله:

كالليل إلا إنها تحرّك

استثناء عجيبٌ. وقال ابن المعتز:

إذا ما بدا أبصرتَ غُرّةَ وجههِ

كعنقودِ كرمٍ بينَ غُصنينِ نوّرا

وردفاً كظهرِ الترس أُسبلَ خلفَهُ

عسيباً كعِيص الطَّودِ لما تحدّرا

ومما يجري مع ذلك قول بعضهم:

قد أشهدُ الليل بفتيانٍ غُرر

على جياد كتماثيل الصورْ

كأنما خيطوا عليها بالإبرْ

أو سمِّر الفارسُ فيها فانسمر

وبإسنادٍ لنا أن محمد بن عبد الله بن طاهر، أرق ذات ليلة فقال لكاتبه: أنائمٌ أنت ؟ قال: لا وأيد الله الأمير، قال: ما أطيب الطعام ؟ قال: طعام شهوة في إبان جوعة، قال: فما ألذ الشراب ؟ قال شربة ماء بارد تطفىء بها غليلك، أو كأسٌ تعاطي بها نديمك، قال: فما أشهى النساء ؟ قال التي تدخل إليها والهاً وتخرج عنها هارباً، قال: فما أجود الخيل ؟ قال: الأسوق الأعنق، الذي إذا طلب لحق وإذا طلب سبق وإذا صهل أطربك، وإذا بدا أعجبك. قال: صدقت لله درك، اعطه يا غلام ألف دينار، قال أصلح الله الأمير وأين تقع مني ألفا دينار ؟ قال أو زدت نفسك ألفاً قال أو ليس كذا ؟ قال لا ولكن حقق ظنه يا غلام. فأعطاه ألفي دينار. وقيل لأعرابي: أتعرف الجواد المبرز، من البطيء المقرف، قال: نعم، أما الجواد المبرز، فهو الذي لهز لهز العير، وأنف تأنيف السير، إذا عدا اسلهب، وإذا انتضب اتلأب، والبطىء المقرف، هو المدلوك الحجبة، القحم الأرنبة الغليظ الرقبة، الكثير الجلبة، الذي إذا قلت: أمسكه، قال: أرسلني، وإذا قلت: أرسله قال: أمسكني. وقال المهدي لمطر بن دراج: أي الخيل أفضل ؟ قال: الذي إذا استقبلته قلت: نافر، وإذا استدبرته قلت: زاجر، وإذا استعرضته قلت: زافر، قال: فأي البراذين خيرٌ ؟ قال: ما طرفه أمامه، وسوطه عنانه، قال: فأي البراذين شرٌّ ؟ قال: الغليظ الرقبة، الكثير الجلبة، إذا أرسلته قال: أمسكني وإذا أمسكته قال: أرسلني. ووصف رجلٌ من العرب خيلاً فقال:إنها لخليقة للجودة، وآية ذلك إنها سامية العيون، لاحقة البطون، مصغية الآذان، افتاء الأسنان ضخام الركبات، مشرفات الحجبات، رحاب المناخر، صلاب الحوافر، وقعها تحليل، ورفعها تعليل، وإن طلبت فاتت، وإن طلبت نالت. واستوصف الحجاج ابن القرية فرساً، فقال: طويل الثلاث، قصير الثلاث، حديد الثلاث، رحيب الثلاث، صليب الثلاث، عريض الثلاث، منيف الثلاث، أسود الثلاث. فاستفسره، فقال: طويل العنق والسبيب والساق، قصير الظهر والعسيب والشعر، حديد القلب والسمع والمنكب، رحيب المنخرين والشدقين والجوف، صليب الدخيس والكاهل والعجب، عريض اللباب والحجبة والخد، منيف الجوانح والقذاب والقوائم، أسود الذكر والحافر والعين. وقال محمد بن مناذر في وصف فرس:

وإذا أعْرضَ قطريهِ لنا

وفيا واستوفيا قَدّاً بقَدّ

فهو كالقدْح أقامت درأهُ

كفُّ باريهِ فما فيه أوَدْ

ووصف النظام فرساً فقال:هو صافي القميص، جيد الفصوص، ووثيق القصب، نقي العصب، يبوع بيديه ويندس برجليه، ويشير بأذنيه، ويبعد مدى بصر عينيه، يلحق الأرانب في الصعداء، ويجاوز الظباء في الاستواء، إن حركته طار، وإن زجرته حار، وإن طرحت عنانه سار كموج في لجة، أو سيل في فجوة، وإن جد علفاً أمعن وإن فقده ضغن. وأنفذ جعفر بن يحيى إلى أبيه برذوناً وكتب له: قد بعثت إليك ببرذون لين المرفوع، وطيء الموضوع، حسن المجموع طويل العذار، أمين العثار. ومما يجري مع ذلك ما أخبرني به أبو أحمد، عن أبيه قال: حدثني أحمد ابن طاهر أنه كتب إلى الحسن بن علي بن يحيى يستهديه لجاماً لحماره:

جُعلتُ فِداك قد أمسى حماري

لهُ سَرْجٌ وليس لهُ لجامُ

كمِثلِ العاطل الحسناءِ أمستْ

لها حَليٌ وليسَ لها نظام

ثم قال:

وأنت لكل ناقصة تمام

الفصل الثاني من الباب العاشر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي