ديوان المعاني/صفة السحاب والمطر والبرق والرعد والثلج والضريب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

صفة السحاب والمطر والبرق والرعد والثلج والضريب

صفة السحاب والمطر والبرق والرعد والثلج والضريب - ديوان المعاني

صفة السحاب والمطر والبرق والرعد والثلج والضريب

أخبرنا أبو أحمد، عن أبي بكر بن دريد، عن أبي حاتم عن الأصمعي. قال: قال أبو عمرو لذي الرمة: أي قول الشعراء في المطر أشعر ؟ قال: قول امرىء القيس:

ديمةٌ هطلاءُ فيها وطَفٌ

طَبّق الأرض تحرَّى وتَدُر

قوله طبق الأرض، غاية في صفة عموم السحاب، أراد أنها على الأرض بمنزلة الطبق على الإناء. ولا أعرف أحداً أخذه فأجاده، كاجادة ابن الرومي حيث يقول:

سحائبُ قيستْ بالبلادِ فألقيتْ

غِطاءً على أغوارِها ونجودِها

هدتها النُّعامَى مُثقلاتٍ فأقبلتْ

تهادَى رُويداً سيرُها كركودِها

قوله سيرها كركودها غاية في وصف ثقلها وثقلها من كثرة مائها. والبيت البليغ المشار إليه من أبيات امرىء القيس قوله:

وتَرى الشجراءَ في رَيِّقه

كرؤوس قُطِّعت فيها الخُمُر

الشجراء الأرض ذات الشجر، وإذا غرقت الشجر من ريقه حتى لا يبين منها إلا فروعها فكيف يكون في شدته، وريق المطر أوله وأخفه، وشبه رؤوس الشجر خارجة من الماء برؤوس قطعت عليها عمائم، والخمار ههنا العمامة. وقولوا: أجود ما قيل في المطر قوله:

كأنَّ أباناً في أفانين وبلهِ

كبيرُ رجالٍ في بجاد مُزمَّلِ

يقول كأن أبانا - هو جبل - من التفاف قطره، وتكاثفه في الهواء شيخ في كساء، وخفض مزمل على الجواب وهو نعت كبير كما يقول جحر ضبٍ خربٍ. وقالوا أجود ما قيل فيه قول أبي ذؤيب'

لكلِّ مسيلٍ من تهامة بعد ما

تقطع أقرانُ السحابِ عجيج

وهذا مع جودة معناه فصيح جداً. أخبرنا أبو أحمد، عن أبيه، عن عسل بن ذكوان، قال: قال الأصمعي: قال لأبي عمرو ما أحسن ما قيل في المطر فقال: قول القائل:

دانٍ مسفٍّ فُوَيْقَ الأرضِ هيدَبُه

يكادُ يدفعُه من قامَ بِالراحِ

فمن بنجوته كمن بعُقوته

والمستكن كمن يمشي بقَرواحِ

يقول: قد عم هذا السحاب، فاستوى في شيم برقه، وأصاب مطره المنجد والغائر، والمستكن والمصحر، قرب من الأرض لثقله بالماء، حتى يكاد يدفعه القائم براحته وهذا غاية الوصف. ومن أبلغ ما جاء في ذلك من نثر الأعراب، ما أخبرنا به أبو أحمد، عن أبي بكر بن دريد، عن أبى حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي قال: سألت أعرابياً من عامر بن صعصعة، عن مطرٍ أصاب بلادهم، فقال:نشأ عارضاً فطلع ناهضاً، ثم ابتسم وامضاً، فاعترض الأمطار فأعشاها، وامتد في الآفاق فغطاها، ثم ارتجز فهمهم، ثم دوي فأظلم، فأرك ودث وبغش، ثم قطقط فأفرط، ثم ديم فأغمط، ثم ركد فأجثم، ثم وبل فسح وجاد، فأنعم فقمس الربى، وأفرط الزبى سبعاً تباعاً، لا يريد انقشاعا، حتى ارتوت الحزون، وتضحضحت المتون، ساقه ربك إلى حيث شاء، كما جلبه من حيث شاء. الدث والبغش المطر الخفيف، والقطقط المطر الصغار، وقوله أنعم أي بالغ من قولهم دقه دقاً ناعماً، وقمس أي غوص، وأفرط ملأ. والزبى جمع زيبة وهي حفرة تحفر للأسد، ويجعل فيها طعم فيجيء حتى يقع فيها، ولا تحفر إلا من مكان عال، فإذا بلغها السيل فهو الغاية، وفي المثل 'بلغ السيل الزبى'. والمتن صلابة من الأرض فيها ارتفاع، وتضحضح أي صار عليه ضحضاح، وهو الماء يجري على وجه الأرض رقيقاً. وأنشدنا أبو أحمد، عن أبيه، عن ابن أبي طاهر، عن ابن الأعرابي لأعرابية:

فبينا نرمِّقُ أحشاءَنا

أضاءَ لنا عارضٌ فاستنارا

فأقبل يزحفُ زَحْفَ الكسير

سياقَ الرعاءِ البطاءِ العشارا

تغني وتضحك حافاتُه

أمامَ الجنوبِ وتبكي مرارا

كأنا تضيء لنا حُرة

تشدُّ إزاراً وتلقي إزارا

فلما حسبنا بأن لا نجاءَ

وأن لا يكون فرارٌ فرارا

أشار له آمرٌ فَوْقَهُ

هَلَّم فأمَّ إلى ما أشارا

وأنشدنا لغيرها:

تبسمتِ الريحُ ريحُ الجنوب

فهاجتْ هوىً غالياً وادِّكارا

وساقَتْ سحاباً كمثلِ الجبالِ

إذا البرقُ أومضَ فيه أنارا

إذا الرعدُ جلجلَ في جانبيهِ

فروَّى النبات وأروى الصحارى

تطالعنا الشّمسُ من دُونهِ

طلاعَ فتاةٍ تخافُ اشتهارا

تخاف الرقيبَ على سِرِّهَا

وتحذرُ من زوجِها أنْ يغارا

فتسترُ غُرتَها بالخمارِ

طوراً وطوراً تزيلُ الخمارا

وقد مرت هذه الأبيات الثلاثة قبل:

فلما مراها هبوبُ الجنوبِ

وانهمرَ الماءُ منهُ انهمارا

تبسمتِ الأرضُ لما بكت

عليها السماءُ دُمُوعاً غزارا

فكان نواجذُها الأقحوان

وكان الضواحكُ منها البهارا

وقال ابن مطير وهو أجود ما قيل في سحاب:

مستضحِكٌ بلوامعٍ مستعبرٌ

بمدامع لم تمرِها الأقذاءُ

فله بلا حزنٍ ولا بمسرةٍ

ضحكٌ يؤلفُ بينهُ وبكاءُ

ثقلت كلاهُ وأنهرتْ أصلابهُ

وتبعجت من مائهِ الأحشاءُ

غَدَق يُنتج بالأباطح فرَّقا

تلدُ السيولَ وما لها اسلاءُ

وكأنَّ رَيقَةُ ولما يحتفل

وَدْقُ السحاب عجاجة كدراءُ

غرٌّ محجلةٌ دوالحُ ضمنت

حَفْلَ اللقاحِ وكلها عذراءُ

سحمٌ فهنَّ إذا كظمنَ فواحمٌ

وإذا ضحكنَ فإنهنَّ وضاءُ

لو كانَ من لجج السواحلِ ماؤهُ

لم يبقَ من لجج السواحلِ ماءُ

ومن هذا البيت، أخذ المتكلمون الحجة على الفلاسفة، في قول الفلاسفة: المطر إنما هو البخارات ترتفع من البحر، قالوا لهم: لو كان الأمر كذلك لكان ماء البحر ينقص عند كثرة الأمطار فقالت: لا يلزم ذلك لأن البحر مغيض لمياه الأرض فمصير ما يتحلب من الثلوج إليه ومنه مواد هذه الأشياء فمثله مثل المنجون يغرف من بحر ثم يصب فيه فليس له نقصان والي ينقض هذا أن ماء البحر يزيد عند كثرة الأمطار، وينقص عند قلتها، والعادة في ذلك معروفة، ولو كان الأمر على ما يقولون، لكان ماء البحر ينقص على مرور الأوقات لا محالة، لأن الشمس والهواء لا شك تأخذ مما يتفرق عنه في الأرض بزعمهم، والكلام فيه يتسع وإنما أشرت إلى موضع الدلالة على فساد قولهم. وقال النظار الفقعسي:

يا صاحبيَّ أعيناني بطرفكما

أنى تشيمان بَرْقَ العارضِ الساري

أبصرتهُ حينَ غاب النجمُ وانسفرت

عنا غفائر من دجنِ وأمطارِ

فباتَ ينهضُ بالوادي وجَلهتهِ

نهضَ الكسيرِ بذِي أوْنَين جرَّار

حيرانَ سكران يغشى كلَّ رابيةٍ

من الروابي بأرجافٍ وأضرار

مفرِّقٌ لدِماثِ الأرضِ منهمرٌ

رعابُ أفئدةٍ شعالُ أبصار

كأن بُلْقاً غِراباً تحت رَيِّقه

عوداَ تَذُب برمحٍ عندَ إمهارِ

وشبه البرق برمح الأبلق، وهو من قول أوس بن حجر:

كأنَّ رَيّقهُ لما عَلا شِطباً

أقرابُ أبلقَ ينفي الخيلَ رماحِ

ومن أبلغ ما قيل في ذلك قول الأعرابية التي سألها ذو الرمة عن الغيث فقالت: غثنا ما شئنا. فكان ذو الرمة يقول قاتلها الله ما أفصحها. وترك ذو الرمة هذا المذهب على إعجابه به واختياره له وقال:

ألا يا أسلمي يا دارَ مَيّ على البلى

ولا زال مُنهلاًّ بجرعائكِ القطرُ

فقيل له هذا بالدعاء عليها أشبه منه بالدعاء لها، لأن القطر إذا دامت فيها فسدت. والجيد قول طرفة:

فسقى بلادك غيرَ مُفسِدِها

صوبُ الربيعِ ودِيمةٌ تهمي

وقال الأعرابي:أصابتنا سحابة، وإنا لبنوطة بعيدة الأرجاء، فاهر مع مطرها حتى رأيتنا وما رأينا غير السماء والماء، وصهوات الطلح، فضرب السيل النجاف، وملأ الأدوية فرعبها، فما لبثنا إلا عشراً حتى رأيتها روضة تندي. قوله: ما رأيت غير السماء والماء وصهوات الطلح غاية في صفة كثرة المطر. وأخبرنا أبا أحمد، عن أبي بكر بن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: خرج النعمان بن المنذر في بعض أيامه في عقب مطر، فلقي أعرابياً فأمر بإحضاره، فأتي به فقال: كيف تركت الأرض وراءك ؟ قال: فيح رحاب، منها السهولة ومنها الصعاب، منوطة بجبالها حاملة أثقالها. قال: إنما عن السماء سألتك. قال: مطلة مستقلة على غير سقاب ولا أطناب، يختلف عصراها، ويتعاقب سراجاها، قال: ليس عن هذا أسألك. قال: فسل عما بدا لك قال: هل أصاب الأرض غيث يوصف ؟ قال: نعم أغمطت السماء في أرضنا ثلاثاً رهواً فثرت وأرزغت، ورسغت، ثم خرجت من أرض قومي أقروها متواصية لا خطيطة منها حتى هبطت تعشار، فتداعى السحاب من الأقطار، فجاء السيل الجرار، فعفا الآثار، وملأ الجفار، وقوب الأشجار، وأحجر الحضار، ومنع السفار ثم أقلع عن نفع وإضرار، فلما اتلأبت في الغيطان ووضحت السبل في القيعان، تطلعت رقاب العنان، من أقطار الأعنان، فلم أجد وزراً إلا الغيران، فقات وجار الضب، فعادت السهول كالبحار، تتلاطم بالتيار، والحزون متلفعة بالغثاء، والوحوش مقذوفة على الأرجاء، فما زلت أطأ السماء، وأخوض الماء، حتى أطلعت أرضكم ا ه. أغمطت السماء دم مطرها، رهواً ساكتاً، ثرت: تركته ثرية، أرزعت: تركت الأرض في رزعة، والرزغة والردغة: الطين إذا غطى القدم، رسغت: بلغت الرسغ، متواصية: متصلة، والهطيطة والخطيطة: أرض لم يصبها مطر بين أرضين ممطورتين، وتعشار: موضع، والعنان: السحاب والأعنان: نواحي الشخب فقأت من القي وجار الضب وهو عندهم غاية ما يوصف به المطر، وهو عندهم الذي يجر الضب من وجارها فيخرجها، من كثرة سيله. وقوله: والحزون متلفعة بالغثاء يقول: بلغ الماء رؤوس الحزون ثم نضب عنها فبقي الغثاء في موضعه. ومن الوصف الجيد التام في تكاثف المطر قول بعضهم:وقع مطر صغار، وقطر كبار، وكأن الصغار لحمة للكبار، جعل الهواء كالثوب المنسوج من كثرة المطر وتكاثفه. ومن أجود ما قاله محدث، في وصف السحاب والقطر والرعد والبرق، ما أنشدناه أبو أحمد عن نفطويه للعتابي:

أرقتُ للبرقِ يخفو ثُمَّ يأتلقُ

يخفيهِ طوراً ويَبديهِ لنا الأفُقُ

كأنه غُرقٌ شهباء لائحةٌ

في وجهِ دَهماءَ ما في جلدِها بلقُ

أو ثغرُ زنجية تفترُّ ضاحكةً

تبدو مشافرُها طوراً وتنطبقُ

أو سلةُ البِيض في جأواءَ مظلمة

وقد تلقت ظُباها البيضُ والدرق

والغيمُ كالثوبِ في الآفاقِ منتشرٌ

من فوقهِ طبقٌ من تحتهِ طبق

تظنه مصمتاً لا فتقَ فيه فان

سالت عواليهِ قلتَ الثوب منفتق

إن مَمعمَ الرعدُ فيهِ قلتَ ينخرق

أو لألأ البرق فيهِ قلتَ يحترق

تستكُّ من رعدهِ أذنُ السميع كما

تعْشَى إذا نظرتْ من برقهِ الحدق

فالرعددُ صهصلقٌ والريحُ منخرق

والبرق مؤتلقٌ والماء منبعقُ

قد حالَ فوقَ الرُّبى نَورٌ له أرجٌ

كأنهُ الوشيُ والديباجُ والسَّرَق

من صفرةٍ بينها حمراء قانية

وأصفرٌ فاقعٌ أو أبيضٌ يَقق

فاستحسنت هذه الطريقة فقلت:

برقٌ يطرز ثوبَ الليل مؤتلق

والماء من نارهِ يهمي فينبعقُ

توقدت في أديم الأرضِ حمرَتهُ

كأنها غرةٌ في الطرفِ أو بلق

ما امتدَّ منها على أرجائه ذهبٌ

إلا تحدر من حافاته ورِق

كأنها في جبين المزنِ إذ لمعت

سلاسلُ التبرِ لا يبدو لها حلقُ

فالرعد مرتجسٌ والبرق مختلس

والغيثُ منبجسٌ والسيلُ مندفقُ

والضال فيما طما من مائهِ غرق

والجزع فيما جرى من سيله شرق

والغيم خزٌّ وأنهاء اللوى زَرَدٌ

والروضُ وشيٌ وأنوارُ الربى سَرق

والروضُ يزهوهُ عشبٌ أخضرٌ نضرٌ

والعشبُ يجلوهُ نَورٌ أبيضٌ يققُ

ومما ورد في المياه:

من سيولٍ يمجها الواديان

وثلوجٍ يذيبها العصرانِ

ذو استواءٍ إذا جرَى والتواءٍ

هل تأملت مزحَف الأفعوان

فهو حيث استدارَ وقفُ لجينٍ

وهو حيث استطارَ سَيفُ يمان

وقال ابن المعتز:

لا مثلَ منزلةِ الدويرة منزلٌ

يا دار جادَكِ وابلٌ وسقاكِ

بؤساً لدهرٍ غيرتكِ صروفهُ

لم يمحُ من قلبي الهوَى ومحاكِ

لم يَحْلُ بالعينين بعدكِ منظَرٌ

ذُمّ المنازلُ كلُّهنّ سِواك

أيُّ المعاهدِ منكِ أندبُ طيبةً

ممساكِ ذا الآصالِ أو مغداك

أم بَردُ ظلك ذي الغصونِ وذي الحيا

أم أرضُك الميثاءُ أم ريّاكِ

وكأنما سطَعَت مجامرُ عنبرٍ

أوفُتَّ فأرُ المِسكِ فوقَ ثَراك

وكأنما حصباءُ أرضكِ جَوْهِرٌ

وكأن ماءَ الوردِ دمعُ نداكِ

وكأن دِرعاً مُفرَغاً من فِضّةٍ

ماءُ الغدير جرَتْ عليهِ صباكِ

وهذه الأبيات أحسن أبيات قيلت في صفة دار. وقلت:

شققنَ بنا تيارَ بحرٍ كأنهُ

إذا ما جرت فيهِ السفينُ يُعَربدُ

ترى مستقرَّ الماءِ منه كأنهُ

سبيبٌ على الأرض الفضاءِ مُمدَّدُ

ويجري إذا الأرواحُ فيهِ تقابلت

كما مالَ من كفِّ النهاميِّ مبرَدُ

فإن تسكنِ الأرواح خلتَ متونهُ

متونَ الصفاحِ البيضِ حينَ تجرد

فطوراً تراهُ وهو سيفٌ مهندٌ

وطوراً تراهُ وهو دِرْعٌ مسرَّد

نصعدُ فيه وهو زُرق جِمامه

فنحسِبُ أنا في السماء نصعَّد

وقال ابن طباطبا العلوي في مد الوادي:

يا حسن وادينا ومدِّ الماءِ

قد جاءَ بينَ الصيفِ والشتاءِ

يختالُ في حُلتهِ الكدراءِ

أكدرُ يمتدُّ على غبراء

في صَخَبٍ عالٍ وفي ضوضاءِ

يصافحُ الرياحَ في الهواء

ترى به تناطُحَ الظباء

جماءَ قد شُدت إلى جَماء

فانظر إلى أعجبِ مرأى الرائي

من كدرٍ ينجابُ عن صفاءِ

تقشع الغيم عن السماء

وقال السري في المد وانقطاع الجسر ببغداد:

أحذركم أمواجَ دجلةَ إذ غدت

مصندلة بالمدِّ أمواجُ مائها

فظلت صغارُ السفنِ يرقصنَ وسطها

كرقصِ بناتِ الزنجِ عند انتشائِها

تغرقها هوجُ الرياحِ وتعتلي

ربى الموجِ من قدامها وورائها

فهنَّ كدهم الخيلِ جالت صفوفها

وقد بَدَرتها روعةٌ من ورائها

كأن صفوفَ الطيرِ عاذت بأرضها

وقد سامها ضَيْماً أسودُ سمائها

أو الشَبحُ المسودُّ حُلَّت عُقودُهُ

على تربةٍ محمرةٍ من فضائها

وقلت:

مَرَرْتُ بنهرِ المْسُرقان عشيةً

فأبصرتُ أقماراً تروحُ وتغربُ

كأنهمُ دُرٌّ تقطعَ سلكهُ

وغودرَ فَوقَ الماءِ يطفو ويرسبُ

فكم ثمَ من خشفٍ على الماء لاعبٍ

فَيا مَنْ رأى خشفاً على الماء يلعب

كأن السميرياتِ فيه عقاربٌ

تجيءُ على زُرقِ الزجاجِ وتذهبُ

وقال أبو بكر الصنوبري:

إذا السماء أعنقت

منها إلى شطّ وشطّ

حسبت أن بطّها

الأمواجُ والأمواجُ بطّ

وقال:

وروضةٌ أريضة الأرجاءِ

من ذهب الزهر لجين الماء

يجري على زمردِ الحصباءِ

بين استواءِ منهُ والتواء

كما نفضت جَوْنَة الحوَّاء

وقال أبو فراس بن حمدان:

أنظر إلى الزهرِ البديعِ

والماءِ في برك الربيع

وإذا الرياحُ جرت عليه

في الذهاب وفي الرجوع

نثرت على بيض الصفا

ئحِ حَلَقَ الدُّرُوع

ومن أوائل ما جاء في ذكر الماء المظلل بالأشجار قول لبيد:

فتوسطا عرْضَ السماء فصدعا

مسجورة متجاوزٌ قُلاَّمها

محفوفةٌ وسَطَ البراع يظلها

منه مُصرَّعُ غابةٍ وقيامها

وقال بشر بن أبي خازم في البحر:

ونحن على جوانبها قعودٍ

نغضُّ الطرفَ كالابلِ القماحِ

إذا قطعت براكبها خليجاً

تذكر ما لديه من الجُناحِ

الفصل الثاني من الباب السابع

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي