ديوان المعاني/فيما قيل في فضل الوعد ومدح الإنجاز

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

فيما قيل في فضل الوعد ومدح الإنجاز

فيما قيل في فضل الوعد ومدح الإنجاز - ديوان المعاني

فيما قيل في فضل الوعد ومدح الإنجاز

أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا الصولي قال: حدثنا ابن زكريا عن ابن دينار قال: حدثنا محمد بن عبيد الله العتبي قال: كلم منصور بن زياد يحيى بن خالد بن برمك في حاجة لرجل فقال عده عني قضاءها فقال: وما يدعوك أعزك الله إلى العدة مع وجود القدرة ؟ فقال له يحيى: هذا قول من لم يعرف موضع الصنائع من القلوب، إن الحاجة إذا لم يقدمها موعد ينتظر به نجحها، لم تتجاذب الأنفس بسرورها، ولم تتلذذ بتناولها، وإن الوعد تطعم والإنحاز طعام. وليس من فاجأه طعام، كمن وجد رائحته وتمطق له وتطعمه، ثم طعمه فدع الحاجة تحتم بالوعد، ليكون لها عند المصطنع حسن موقع، ولطف محل، وحلاوة ذوق. وأخبرنا أبو أحمد قال: حدثنا الصولي قال: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال: أخبرنا البحتري عن خاردجة بن مسلم بن الوليد عن أبيه قال: سألت الفضل بن سهل حاجةً فقال: أسوفك اليوم بالوعد، وأحبوك غداً بالإنجاز، فإني سمعت يحيى بن خالد يقول: المواعيد شباك الكرام، يصطادون بها محامد الإخوان، وإن كان المعطي لا يعد لارتفعت مفاخر إنجاز المواعيد، وبطل فضل صدق القول. وقال عيسى بن ماهان لجلسائه: إني أحب أن أهب بلا وعد وأحب أن أعد لأخرج بالإنجاز من جملة المخلفين، وأدخل في عداد الوافين، ويؤثر عني كرم المنجزين فإن من سبق فعله وعده وصف بكرمٍ فرد وسقط عنه جميع ما ذكرت. وأخبرنا أبو أحمد عن الصولي. قال: أخبرني عون بن محمد قال: ذكر العتابي المأمون فقال: إن ألقح معروفه عندي بالوعد ونتجه بالنجح، وأرضعه بالزيادة، وشيبه بالتعهد، وهرمه باستتمامه من جهاته وهنأه بترك الامتنان به. ومن عجيب ما جاء في الحث على الإنجاز ما حدثني به أبو أحمد عن الصولي عن يموت بن المزرع قال: حدثنا عبد الصمد بن المعذل قال: شكا رجلٌ جعفر بن يحيى إلى أبيه بأنه وعده ومطله به. فوقع: يا بني أنتم معاقل الأحرار، ومظان المطالب، ومعادن الشكوى، فكونوا سواءً في الأقوال والأفعال، فإن الحر يدخل وعد الحر ويعتقده وينفقه، قبل ملكته، فإن أخفق أمله، كان سبباً لذمه واتهامه، وسوء ظنه حتى يوارى قبح ذلك، وحسن تقيته فأنجز الوعد وإلا فقصر القول فإنه أعذر والسلام. وأخبرنا أبو أحمد، عن الصولي، عن محمد بن يونس، عن الحميدي عن سفيان، قال: سمعت الزهري يقول: حقيق على ما أزهر بالوعد أن يثمر بالفعل. ومن جيد ما مدح به المنجز قول أبي تمام:

نؤمُّ أبا الحسين وكان قدما

فتى أعمارُ موعدة قصارُ

تحنُّ عِداته أثر التقاضي

وتنتجُ مثلَ ما نُتِجَ العِشارُ

وأخبرنا أبو أحمد عن الصولي عن المغيرة بن محمد قال كلم المأمون في الحسين بن الضحاك الخليع أن يرد عليه رزقه فقال المأمون: أليس هو القائل في الأمين.

فلاَ فرحَ المأمون بالملك بعدَه

ولا زال في الدُّنيا طريداً مشرَّداً

فما زالوا حتى أذن له أن ينشده فأنشده:

ابن لي فإني قد ظمئتُ إلى الوعدِ

متى تنُجز الوعدَ المؤكّد بالعهدِ

أُعيذك من صَدِّ الملوك وقد ترَى

تقطع أنفاسي عليك من الوجدِ

فما لي شفيعٌ عندَ حُسنك غيرهُ

ولا سببٌ إلا التمسك بالوُدَّ

أيبخلُ فرد الحسنِ فرد صفاتِه

عليّ وقد أفردته بهوى فردِ

فاستحسن الناس هذا التشبيب فلما قال:

رأى اللهُ عبد الله خير عباده

فملكهُ واللهث أعلم بالعبدِ

قال هذه بتلك وقد عفونا عنك. فقال: يا أمير المؤمنين، فأتبع عفوك بإحسانك فأمر برد أرزاقه عليه، وكانت في كل شهر خمسمائة دينار، فقال المأمون: لولا أني نويت العفو عنه، وجعلت ذلك وعداً له من قبل ما فعلته، وإنما ذكر العهد في تشبيبه فذكرنيه. وما أحسن ما قاله بعض ملوك العجم: البخل بعد وعد يضعف قبحه على البخل قبله فما قولك في أمر البخل أحسن منه وأجمل. ما قيل في الضحك والبشر عند السؤالأول من أتى بذلك زهير في قوله:

تراهُ إذا ما جئته مُتهلِّلاً

كأنك مُعطيه الذي أنت سائلُهْ

ولو قال مكان إذا جئته إذا ما سألته لكان أجود. ومن الجيد في ذلك قول أبي نواس:

بشرهمُ قبلَ النوالِ اللاحقِ

كالبرقِ يبدو قبل جودٍ دافقِ

والغيثُ يخفي وقعهُ المرامق

إن لم يجده بدليلِ البارق

وأخذه أبو تمام هذا فقال:

يستنزِلُ الأملَ البعيدَ ببشرهِ

بُشرى المخيلة بالغياث المغدقِ

وكذا السحائبُ قلما تدعو إلى

معروفها الرُّوّاد ما لم تبرقِ

وتبعه البحتري فقال:

كانت بشاشُتك الأولى التي بدأتْ

بالبشرِ ثم أقتبلنا بعدها النَّعما

كالمُزنة استؤنفَتْ أُولى مخيلَتِها

ثمَّ استهلَّتْ بغرزٍ تابعَ الدِّيَما

وقال أبو عبد الله القطر بلي: قلت للبحتري: وقعت دون أبي تمام في هذا المعنى فقال لعمري ولكن سأرضيك فيه فقال في أبي الصقر:

يُوليك صدرَ اليوم قاصية الغنى

بفوائد قد كنَّ أمسِ مواعدا

سُوم السحائبِ ما بدأنَ بوارقا

في عارضٍ إلا ثَنيْنَ رواعدا

والرعد لا يكون إلا ومعه الغيث فكأنه قال إلا ثنين مواطراً ثم رده فقال:

إنما البشرُ روضةٌ فإذا أع

قب بذلاً فروضةٌ وغدِيرُ

وقال البحتري:

ملكٌ عِندهُ على كلِّ حال

كرمٌ زائدٌ على التقديرِ

وكأنّا من وعدِهِ ونداه

أبداً بين روضة وغدير

وقال:

ضحكات في إثرهنَّ العطايا

وبروق السحابِ قبلَ رُعودهْ

وله أيضاً:

مُتهِّللٌ طلقٌ إذا وعَدَ الغنى

بالبشر أتبع بشرَه بالنائلِ

كالمزن إن سطعتْ لوامعُ برقه

أجلتْ لنا عن ديمة أو وابل

وأنشدنا أبو أحمد قال: أنشدنا الصولي لنفسه:

لست تلاقي سائلاً بردِّ

تعيد بشر سؤود وتبدي

كالبرقِ يأتيك أمامَ الرَّعدِ

بشرى الغيوثِ بحبابِ رغدِ

يلقى بك الطالبُ نجمَ السعدِ

بلغت في الأعمار أقصى العدِ

فصل في

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي