ديوان المعاني/مدح الاخوان

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

مدح الاخوان

مدح الاخوان - ديوان المعاني

مدح الاخوان من أحسن التشبيه في مدح الأخ ما أنشدني أبو علي بن أبي حفص عن جعفر بن محمد:

أخٌ لي كأيام الحياةِ إخاؤُهُ

تلوّن ألواناً عليّ خطوبُها

إذا عبتُ منه خلةً فهجرتهُ

دعتني إليه خَلةٌ لا أعيبُها

وقال البحتري:

قدمتَ فأقدمْتَ الندى يحمل الرضا

إلى كلِّ غضبانٍ على الدَّهر عاتبِ

وجئت كما جاء السحابُ محرِّكاً

يديك بأخلافٍ تفي بالسحائبِ

فعادتْ بك الأيامُ وهي كواكبٌ

جلا الدَّهرُ منها على خُدودِ الكواعبِ

وما أنسَ لا أنسَ اجتذابَك همّتي

إليك وتزييني بأعلى المراتبِ

فيا خيرَ مصحوبٍ إذا أنا لم أقمْ

بشكرِك فاعلمْ أنني شرُّ صاحبِ

وكتب بعضهم: لست أذم من أيامنا إلا قصرها وطول الحسرة على أثرها. وقريبٌ من المعنى الأول وقول الآخر:

خليلٌ إذا ما جئتُ أبغيه حاجةً

رجعت بما أبغي ووجهي بمائه

بلوت رجالاً بعده في إخائهم

فما ازددت إلا رغبة في إخائه

وقال دعبل بن علي:

أخٌ لي عاداهُ الزمانُ فأصبحتْ

مذمّمة فيما لديه المطالبُ

متى ما تذوِّقهُ التجارُ صاحباً

من الناس ردته إليك التجاربُ

وقال إبراهيم ابن العباس:

ومؤمل للنائبات إذا

هبَّ الزمان باذره هبَّا

لما رآني نهب حادثة

جعل الذخائر دونها نهبا

وقال أيضاً:

ولكنَّ الجوادَ أبا هشام

وفيُّ العهدِ مأمونُ المغيبِ

بطيءُ العهد ما استغنيت عنهُ

وطلاّعٌ عليك مع الخطوبِ

والبيت الأخير يشير إلى قول جرير:

وإني لعف الفقر مشترك الغنى

ونحوه قول إبراهيم أيضاً:

أسدٌ ضارٍ إذا هيجتهُ

وأبٌ برٌّ إذا ما قدرا

يعرفُ الأبعدُ إن أثرى ولا

يعرفُ الأدنى إذا ما افتقرا

وقال أيضاً:

ولكنَّ عبدَ اللهِ لما حوى الغنى

وصارَ له من بين إخوانه مالُ

رأى خلةً منهم تُسدُّ بمالهِ

فساهمهمْ حتى استوتْ بهمُ الحال

ونحوه قوله أيضاً:

بدا حينَ أثرَى بإخوانهِ

ففلل عنهمْ شباه العدمْ

وذكره الحزمُ غِبَّ الأمور

فبادَرَ قبلَ انتقال النعمْ

ومما هو في هذا السبيل ما كتب بعضهم: ما شخصت حتى شخص عقلي فصار عديلك، واستقل ودي فأضحى زميلك، ولا مطمع لي في مستقرهما حتى تستقر النوى بك وتحقق الأماني فيك ولك. وقال أبو تمام:

ليالي نحنُ في غفلاتِ عيش

كأنَّ الدَّهرَ منها في وثاقِ

وأياماً لنا وله لدانا

عرِينا في حواشيها الرِّقاقِ

وفي هذا الموضع أيضاً قوله:

أأيامنا ما كنتِ إلا مواهباً

وكنت بإسعافِ الحبيبِ حبائبا

سنغربُ تجديداً لعهدك في البكا

فما كنتِ في الأيام إلا غرائبا

وقلت في فضل الصديق على القريب:

رأيتُ بالودِّ عن القربى غنى

وليسَ بالقربَى عن الودِّ غنى

وصاحب الودِّ حُسامٌ منتضى

يزينُ في السلم ويكفي في الوغى

وقلت أيضاً في قوله:

ليسَ حَدُّ الحسام أكفى وأغنى

من أخ ذي كفاية وغَناءِ

وأخُ المرءِ عصمةٌ في بلاءٍ

يعتريهِ وزينةٌ في الرَّخاءِ

وقال شبيب بن البرصاء:

إذا المرءُ أغراه الصديقُ بدا لهُ

بأرض الأعادي بعض ألوانها الربد

ومن أجود ما قيل في الاغضاء عن الأخ قول النابغة:

ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تلمّهُ

على شعثٍ إيُّ الرجالِ المهذبُ

وقال بشار بن برد:

إذا كنتَ في كلِّ الأمورِ معاتباً

صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتُبه

فعشْ واحداً أو صِلْ أخاك فإنهُ

مُقارفُ ذنبٍ مَرَّة ومجانبهْ

إذا أنتَ لم تَشرَبْ مراراً على القذى

ظمئتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُهُ

وقال آخر:

ألبس أخاك على تصنُّعه

فلربَّ مُفتضح على النص

ما ظلتُ أفحص عن أخي ثقةً

إلا ذممتُ عواقبَ الفحصِ

وقال آخر:

ومنْ ذا الذي ترضى سجاياهُ كلها

كفى المرء نبلاً أنْ تُعدَّ معائبه

وكتب الصاحب في فصل:وتمثلت لي أخلاقك التي لولاها لم يسلس الماء، ولم يرق الهواء، ولم ترع الحقوق والذمم ولم يعرف المجد والكرم، أخلاقٌ جددٌ غير أخلاق، لا تأخذ الأيام جدتها، ولا تثهج الليالي بردتها. ومن جيد ما قيل في إظهار الرغبة في الإخوان قول أبي فراس بن حمدان:

قل لإخواننا الجفاةِ رويداً

إذ رجونا إلى احتمال الملال

إن ذاك الصدودَ من غير جُرمٍ

لم يَدَع فيّ موضعاً للوصالِ

أحسنوا في وصالكم أو فسيئوا

لا عدمناكم على كلِّ حالِ

وقلت في معناه:

كم قد منحتك حسناً

وليس منك جزاءُ

ترَى يضرُّك أن لوْ

يكون منك وفاءُ

لا تبلنا بصدودٍ

إنًّ الصدودَ بلاءُ

بل ما لنا منك بُدٌّ

فاصنع بنا ما تشاءُ

وأنشد أبو أحمد:

اذكر أخانا تولى الله صحبتهُ

إني وإن كنتُ لا ألقاهُ ألقاهُ

الله يعلمُ أني لستُ أذكره

وكيفَ يذكره من ليس ينساه

وقال الخريمي:

أخٌ لي كَذوبُ الشهدِ طعمُ إخائهِ

إذا اختلفتْ بيضُ الليالي وسودُها

كأمنيةِ الملهوفِ حزماً ونائلاً

وعوناً على عمياءِ أمرٍ يكيدُها

له نِعمٌ عندي ضعفتُ بشكرها

على أنهُ في كلِّ يومٍ يزيدُها

تحملَ عني شكرها فأراحني

وللشكرِ مرقاةٌ كؤودٌ صعودها

وأنشدنا أبو أحمد قال: أنشدني أبو إسحاق الشطبي قال أنشدنا حماد الرواية:

تصفحتُ إخواني بعينِ عنايةٍ

فأصلحتُ منها كلَّ ما أفسدَ الدهرُ

وأرضاك عفو الشكر دونَ اجتهادهِ

وفي دون ما أوليت ما اجتهد الشكرُ

ومن مليح ما قيل في مدح الزمان:

رَقَّ الزَّمانُ لفاقتي

ورثى لطولِ تحرُّقي

فأنالني ما أشتهي

وأراحَ مما أتقي

فلأغفرنَّ له الكثي

ر من الذنوبِ السُّبَّقِ

حتى جنايتهُ بما

فعلَ المشيب بمفرقي

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي